دافنشي ولوحاته تثيران الجدل بعد مرور 504 أعوام على وفاته
كتبت:وفاءالبسيوني
ليوناردو دافنشي شخصية محيرة وغامضة في التاريخ، فالرسام الذي يمر اليوم 504 أعوام على وفاته، مازال مثيرًا للجدل سواء في رسوماته الفنية مثل الموناليزا والعشاء الأخير، أو حتى في ابتكار رسومات أدت لما بعد لظهور
اختراعات حديثة مثل: الطائرة والدبابة والسفن التي لا تؤثر عليها النيران والمدافع ،وكذلك العربات المصفحة، كما كُتبت عن شخصيته الكثير من الدراسات والكتب وكذلك الروايات الأدبية والتي تحولت لأفلام في السينما العالمية مثل “شفرة دافنشي” بطولة الفنان توم هانكس.
خلال ثلاثينيات القرن الماضي، أثار دافنشي الكثير من الأسئلة المحيرة، حيث نشرت مجلة “الهندسة” في عددها الصادر عام 1935م، خطابًا للفنان والمهندس الإيطالي ليوناردو دافنشي، استعرض فيه أهم الاختراعات القادر على تنفيذها في وقت الحرب والسلم،
منها اختراعه سفنا لا تؤثر فيها المدافع والنيران، وإنشاء عربات مغطاة، وعمل أنفاق تحت الأنهار، وغيرها من الاختراعات التي لم تكن موجودة في عصره الذي يعيش فيه في القرن الخامس عشر الميلادي.
كان ليونارد دافنشي (1452- 1519) شخصًا ممتازًا – كما وصفته “الهندسة” – ظهر في ذروة النهضة الإيطالية، ولد بالقرب من مدينة فلورنسا، وتتلمذ في الرابعة عشر من عمره علي يد أشهر الفنانين آنذاك، وهو الفنان أندريا فيروتشيو، واستفاد منه كثيرا،
وتأثر في أيامه الأولى في فلورنسا برجال العلم المعاصرين، وفي عام 1483م هاجر إلي ميلان، والتحق بخدمة لودفيكو سفورزا كمهندس مستشار في أعمال البناء والنحت
وأوضحت “الهندسة” قصة الخطاب النادر، مؤكدة أنه شيق وغريب، على حد قولها، فهو الخطاب الذي بعث به ليوناردو دافنشي إلى “سفورزا” الحاكم القوي آنذاك، حيث يؤيد الخطاب طلبه الذي كان قدمه للالتحاق بوظيفة مستشار في أعمال البناء والنحت، وتوضح المجلة:”هذا الخطاب يعطينا فكرة عن هذا العبقري ومزاياه الفنية، ثم أن الخطاب نفسه يتفق والغرض الذي نكتب من أجله، أي علم الميكانيكا التطبيقية وأضافت: “كانت قراءة ما تركه ليوناردو أمرًا صعبًا يستلزم الجلد والصبر، وقد بدأ يكتب مخطوطاته وهو في سن العشرين،
وجعل يكتبها بطريقة أراد بها إرباك قارئها، فهو كتبها من الشمال إلى اليمين على طريقة اللغات السامية، وكانت كتابته من النوع المعروف باسم “ذي المرآة”، أي أنها معكوسة الوضع، فكانت كتابته تظهر ما يظهر في المرآة إذا وضعت أمامها صفحة مكتوبة، كما اتبع في كتابته الكثير من الترخيم، أي الاختصار في الحروف، كما أنه لم يستعمل التنقيط، أي علامات الوقف، ولولا ما بذله النُساخ من جهد عظيم لظلت مخطوطات ليوناردو مهملة
وأضاف في الخطاب:
أولًا: أعرف عملية إنشاء جسور كباري خفيفة جدًا للتنقل، يسهل عن طريقها فتح باب الهروب للعدو ثم اقتفاء أثره، وكذلك إنشاء جسور تقاوم فعل النار والسيف تنخفض وترتفع بسهولة، كما إني أعرف وسائل لحرق جسور الأعداء وإتلافها.
ثانيًا: في حالة محاصرة مكان أعرف كيف أصفي الخنادق وأجففها، وكيف أنشئ سلمًا للتسلق وما إلى ذلك من الأجهزة
ثالثًا: وفي حالة إذا ما استعصى علينا إطلاق المدافع على مكان الأعداء سواء كان قويًا أو خلافه فلدي وسائل أخرى لهدمه، وذلك بلغمه ومتفجراته، على أساس أن تكون أسس القلعة غير مبنية بالصخر
رابعًا: أعرف كيف أجعل المدافع الخفيفة السهلة الانتقال تقذف مقذوفات نارية ينشر دخانها الفزع والاضطراب والفناء بين الأعداء (يلاحظ هنا توقع في القرن الخامس عشر الحاجة إلى وقايات للدخان والغاز السام).
خامسًا: أستطيع أن أوجد ممرًا ينفذ إلى الأماكن المنيعة وذلك بأن أحفر دون جلبة أنفاقاً ضيقة مستديرة تمر حتى تحت الأنهار.
سادسًا: أعرف كيف أنشئ عربات مأمونة مغطاة لنقل المدافع إلى خطوط الأعداء لا تعوقها كثرة الجند، ومن خلفها يسير المشاة آمنة مطمئنة”،وقد تساءلت المجلة: ألا تكون هذه عربات التنكس الحديثة وقد تخيلها ليوناردو قديمًا؟.
سابعًا: أستطيع أن أصنع مدافع واستعيض عنها بالمنجنيق وغيرها من أجهزة القذف المستعملة الآن، وباختصار إذا كانت الحال كذلك فإني قادر على ابتكار ما لا عدد له من وسائل الهجوم.
ثامنًا: أستطيع أن أصنع مدافع طويلة وأخرى قصيرة والآلات البخارية وما إلى ذلك، تكون نافعة وجميلة ومغايرة لتلك المستعملة الآن.
تاسعًا: وإذا كان الصدام في البحر لا البر، فلدي آلات بخارية قوية كثيرة للهجوم والدفاع، وسفن لا تؤثر فيها المدافع ولا النيران، وهذا عدا البارود والمفرقعات
عاشرا، أكد ليوناردو دافنشي في خطابه: “أما في زمن السلم، فاعتقادي أني استطيع أن أباري أي مهندس في البنايات وإنشاء النصب التذكارية الخاصة أو العامة وحفر الترع، بل أستطيع أن أصنع تماثيل من الرخام والبرونز والطفل، واستطيع أن أخذ على عاتقي صنع الجواد الأبدي البرونزي الذي يُقام تخليدًا لذكرى أبيك العظيم، وذكرى بيت سفورزا الكريم، وإذا بدا لك يا مولاي أن شيئًا مما ذكرت غير ممكن صنعه،
فإني مستعد لصنعه على الفور تحت إشرافكم في حديقة قصركم، أو في أي مكان يقع عليه اختياركم، وأضع بكل خضوع نفسي تحت تصرفكم”
واوضحت مجلة “الهندسة” المصرية، التي كانت تصدر باللغتين العربية والإنجليزية، في عرض خطاب ليوناردو دافنشي، أنه لم ينظر بعين العناية لمؤلفات الفنان والمهندس والعالم إلا قريبًا، أي في ثلاثينيات القرن الماضي،
وسبب ذلك أن ما خلفه من كتابات ورسوم اختفي بعد موته، وظل لسوء الحظ كذلك عدة قرون إلى أن واتاه الحظ، فظهر للناس من جديد، لافتة إلى أنه كان ينظر للطبيعة نظرة مغايرة، حيث تفتحت أمامه مغاليق أمور كثيرة لم تنكشف لغيره، ولو جاء الذين من بعده وقرأوا مؤلفاته ومكتشفاته العلمية لتغير وجه التاريخ العلمي