العمق نيوز
جريدة أخبارية شاملة

نسائم الإيمان ومع أنس بن مالك

0

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

أنس بن مالك بن النضر الخزرجي الأنصاري وهو صحابي جليل، وقد ولد بالمدينة، وأسلم صغيرا وكناه الرسول الكريم محمد محمد صلى الله عليه وسلم بأبي حمزة ، وكان يتسمى به ويفتخر بذلك، وقد وُلد رضي الله عنه قبل الهجرة بعشر سنوات، وقد خدم الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام في بيته وهو ابن عشر سنين .

ودعا له النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” اللهم أكثر ماله وولده وبارك له ، وأدخله الجنة ” فعاش طويلا، ورزق من البنين والحفدة الكثير والكثير ، وكان أنس بن مالك رضى الله عنه أحد الرماة المصيبين، ويأمر أولاده أن يرموا بين يديه، وربما رمى معهم فيغلبهم بكثرة إصابته ، وكان لأنس بن مالك أولاد كثير حتى صعب عدهم حيث دعا له الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بكثرة المال والولد .

فقيل أنه ولد له من صلبه ثمانون ذكرا وابنتان، ومات وله من ولده وولد ولده مائة وعشرون ولداً على قيد الحياة ، ويقول أنس: إن ولدي وولد ولدي يتعادون على نحو مائة اليوم ، وقد توفي في حياة أنس بن مالك أكثر من مئة من أبنائه من صلبه ، ويقول أنس رضى الله عنه ، لقد دفنت بكفي هاتين من ولدي أكثر من مائة لا أقول لكم فيه ولد ولد ، ولا سقط .

وأم أنس هي أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها، كانت تحت مالك بن النضر أبي أنس بن مالك في الجاهلية، فولدت له أنس بن مالك، فلما جاء الله بالإسلام أسلمت مع قومها وعرضت الإسلام على زوجها، فغضب عليها وخرج إلى الشام فهلك هناك، ثم خلف عليها بعده أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه.

وتربى أنس بن مالك رضي الله عنه على يد الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم تربية خاصة، فمنذ بلغ العاشرة من عمره أتت به أمه إلى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ليخدمه ويتربى على يديه، فقالت له: “هذا أنس غلام يخدمك”، فقَبله.

ولقد وعد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، أنس بن مالك باللقاء مرة أخرى في يوم القيامة ووعده بالشفاعة ، فقال أنس بن مالك أنه سأل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فقال: خويدمك أنس اشفع له يوم القيامة، قال: ” أنا فاعل ” قال: فأين أطلبك؟ قال: ” اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط ، فإن وجدتني وإلا فأنا عند الميزان وإلا فأنا عند حوضي لا أخطئ هذه الثلاثة المواضع ” .

وعن أنس رضي الله عنه قال: “خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أفٍ قَط، وما قال لشيء صنعته لِمَ صنعته، ولا لشيء تركته لِمَ تركته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خُلقا، ولا مسست خزا قط ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكا قط ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم” رواه الترمذى .

وعندما أتت به أمه إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ليخدمه، أخبرته صلى الله عليه وسلم أنه كاتب، وهذه الميزة العظيمة لم تكن متوفرة إلا في النفر القليل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما يدل على فطنة أنس رضي الله عنه وذكائه منذ الصغر، فقد كان حينها لم يتجاوز العاشرة من عمره، وقد كان هذا الذكاء وهذه الفطنة من الأهمية بمكان ، إذ حفظ رضي الله عنه وفَقه وتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

حتى قيل إنه في المرتبة الثالثة بعد ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما في كثرة الأحاديث التي رواها وحفظها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسنده ألفان ومائتان وستة وثمانون حديثا، اتفق له البخاري ومسلم على مائة وثمانين حديثا، وانفرد البخاري بثمانين حديثا، ومسلم بتسعين حديثا.

وقد تعلم أنس بن مالك الصلاة من الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، مباشرة فكان أحسن الناس صلاة في سفره وحضره ، وكان أنس يصلي فيطيل القيام حتى تفطر قدماه دما ، وكان يصلي مابين المغرب والعشاء ويقول هذه ساعة ناشئة الليل ، وقال أبو هريرة رضى الله عنه ، ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله من ابن أم سليم ، ويعني أنس بن مالك .

وقال الزهري دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو وحده فسألته وهو يبكي، فقلت ما يبكيك؟ فقال ما أعرف شيئا مما أدركنا إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت ، وكانت وصايا الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ،لأنس في الصلاة ، ” إذا قدرت أن تجعل من صلواتك في بيتك شيئا فافعل فإنه يكثر خير بيتك ، وأكثر الصلاة باليل والنهار يحبك حافظاك “.

” وإذا سجدت فلا تنقر كما ينقر الديك ولا تقع كما يقع الكلب ولا تفترش ذراعيك افتراش السبع وافرش ظهر قدميك الأرض وضع إليتيك على عقبيك فإن ذلك أيسر عليك يوم القيامة في حسابك ، وصلى صلاة الضحى فإنها صلاة الأوابين من قبلك ، وإن أستطعت أن لا تزال تصلي فافعل فإن الملائكة لا تزال تصلي عليك ما دمت تصلي ” .

” وإياك والالتفات في الصلاة فإن الالتفات في الصلاة هلكة ، وإذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك وافرج بين أصابعك وارفع يديك عن جنبيك فإذا رفعت رأسك من الركوع فكن لكل عضو موضعه فإن الله عز وجل لا ينظر يوم القيامة إلى من لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده “.

وكان مما أعلى شأن أنس بن مالك بالنسبة للمسلمين أنه سمع بعضا من أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن بينهما أحد لذلك تفرد أنس ببعض الأحاديث التي لم يرويها سوى أنس وكان شغف كثير من الصحابة والتابعين للسماع من أنس ما كان من حديث الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، عندما لم يكن بينهما أحد.

ويدل على ذلك قول عروة بن رويم قال: أقبل أنس بن مالك إلى معاوية بن أبي سفيان وهو بدمشق قال: فدخل عليه فقال له معاوية: ” حدثني بحديث سمعته من النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وليس بينك وبينه فيه أحد ، فقال أنس: سمعت رسول الله يقول: ” الإيمان يمان هكذا إلى لخم وجذام ” .

وقد شهد أنس رضي الله عنه غزوة بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يخدمه، إذ كان عمره حينها اثني عشر عاما ، وقال أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خُلقًا، وأرحبهم صدرا، وأوفرهم حنانا ، فقد أرسلني يوما لحاجة فخرجت، وقصدت صبيانا كانوا يلعبون في السوق لألعب معهم، ولم أذهب إلى ما أمرني به، فلما صرت إليهم شعرت بإنسان يقف خلفي، ويأخذ بثوبي .

فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسّم ويقول: “يا أنيس، أذهبت إلى حيث أمرتك؟” فارتبكت وقلت: نعم، إني ذاهب الآن يا رسول الله ، والله لقد خدمته عشر سنين، فما قال لشيء صنعته لم صنعته، ولا لشيء تركته لمَ تركته.

وكان قد استعمله أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب رضى الله عنهم أجمعين على عمالة البحرين وشكراه في ذلك، وقد انتقل بعد النبي ‏صلى الله عليه وسلم‏ فسكن البصرة، وقد ناله أذى من جهة الحجاج، وذلك في فتنة ابن الأشعث، توهم الحجاج منه أنه له مداخلة في الأمر، وأنه أفتى فيه، فختمه الحجاج في عنقه، الذي يعرف باسم عنق الحجاج، وقد شكاه أنس إلى عبد الملك بن مروان، فكتب إلى الحجاج يعنفه، ففزع الحجاج من ذلك وصالح أنس بن مالك.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أتاني معاذ بن جبل رضي الله عنه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا بها قلبه دخل الجنة”. فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، حدثني معاذ أنك قلت: “من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا بها قلبه دخل الجنة”. قال: “صدق معاذ، صدق معاذ، صدق معاذ”.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلت على البراء بن مالك رضي الله عنه وهو يتغنى بالشعر، فقلت له: يا أخي، تتغنى بالشعر وقد أبدلك الله به ما هو خير منه؛ القرآن ، فقال: أتخاف علي أن أموت على فراشي وقد تفردت بقتل مائة سوى من شاركت فيه، إني لأرجو ألا يفعل الله ذلك بي.

وبفضل خدمة وصحبة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، كان لأنس بن مالك مكانة عظيمة عند المسلمين حيث كان يحمل الكثير من كنوز السنة والسيرة النبوية ، وكان مما يميز أنس بن مالك عن بقية خدم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، أنه لم يكن ليحتفظ بهذا العلم الذي تعلمة من الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

فلم يحتفظ به لنفسه أو يكتمه عن غيره ممن لاقاهم بعد وفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فاستفاد من رواياته لأحاديث ومعاملات وسيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ،جميع المسلمين وروى عنه كثير من التابعين وحفظوا ما رواه هو عن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

وطال عمر أنس بن مالك رضى الله عنه فعاش حتى مل الحياة وإشتاق إلى لقاء ربه ، فقد روي عنه أنه قال: ” طال عمري حتى أستحييت من أهلي أشتقت لقاء ربي ” فكان أنس آخر من توفي ممن صلى القبلتين فقد شهد تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، وكان آخر من توفي من الصحابه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد