العمق نيوز
جريدة أخبارية شاملة

إمرؤ القيس في كتاب *تصنيف شعراء الشعر السياسي* للزهر دخان

0

إمرؤ القيس في كتاب *تصنيف شعراء الشعر السياسي* للزهر دخان

كتب لزهر دخان
إمرؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكندي
هذا الشاعر العربي الجاهلي غني عن التعريف والتوصيف. من ناحية كونه أكبر شعراء العرب على مر العصور. وأيضا كونه الباديء الذي تنطبق عليه مقولة قالها الصاحب بن عباد( بُدئ الشعر بملك، وخُتم بملك، ويعني إمرؤ القيس وأبو فراس الحمداني) والمقصود بإنتهى هاهنا هو بلوغ نفس المرحلة المتقدمة من إجادة وإتقان الشِعر . أما بدأ فيقصد بها البداية ،وهذا ما حققه وتحقق منه الجاحظ في كتابه الحيوان. عندما سعى لإثبات أن أمرؤ القيس ،هو من أوائل الشعراء الذين يعُود لهُم الفضل فِي تأسيس وإبتكار وتطوير هَذا الفن العَربي ..
ويَُكتب إسم شاعرنا من الكامل فيمَا يلي ( جندح بن حُجر بن الحارث الكندي (500 – 540 م) ) وإشتُهر بلقب إمْرئ القَيْس . هُو شاعر عَربي ذو مَكانة رَفيعة .وكذلك يليق به حَمل لقب الشَاعر السِياسي الكبير . لآن أبرز وأهم أيام عمره كانت في نطاق حُروبهِ. وحُروبه بدأت بسبب سَعيهِ للثأر من قاتل والده الملك حُجر.
وبرزت له العديد من الأسماء بسبب الإختلاف والخلاف حول مَا سُمي عليه ،وما أطلق عليه من الأسماء. فكان مُسمى مُتعدد الأسَامي ، جُندح ،حَندج ،مَليكة ،عُدي . أما قبيلتهُ فهي كِندة ولهُ بَعض مِن الألقاب المَلكية كونه كان أميراً أسدياً و مِنها: المَلكُ الضِّلّيل وذو القروح وكُني بأبي وهب، وأبي زيد، وأبي الحَارث.
ولد في نجد في قبيلة كندة ،ورغم ما كان حَولهُ ولهُ من مال ودولة أبوه رأس الهرم في سلطتها. لم يشأ إلا أن يَتميز بثقافة لا سِياسية ولا مُسيسة .مُهيئا لنفسهِ فرصاً للطيش والإنحراف. وكلما تهيأت لهُ فرصة إنتهزهَا فنشأ حَسب زهدهِ فِي الرئاسة والسِياسة مُترفاً مَيالاً للترفِ . وبالطبع لا تسمح المُلوك الجادة في إدارة سِدد حُكمها بالكثير من اللعب وقلة الأدب.وكان أبوه حجر ملكاً على بني أسد وغطفان .ولا يتهاون مع أمثاله من الإنسان . فأبعده عنه كي لا يفسد عليه زينة عرشه وأخلاق جيشه .
إمرؤ القيس ليس إبن الملك حُجر فحسب ،وليست العمومة هي كل ما له .وليست الأبوة هي كل ما يعتليه. لآنه من أم عظيمة النسب ،هي فاطمة بنت ربيعة التغلبية أخت كليب والشاعر المُهلهل التّغلِبِيَّيْن. وإذا أجرينا مقارنة بينه وبين المُهلهل سنجد أنهما كانا في راحة تامة من أعباء الملك والسياسة .كأنهما في راحة مقصودة وعطلة ممدودة إلى أن يأذن لهما الثأر بالتحرك ضد القتلة وأي قتلة هم قتلة الملوك . إمرؤ القيس لم يعمر طويلا في الأرض .ولكنه تمكن من البداية من ضمان مكان ومكانة لآسمه العربي التاريخي في قائمة شعراء السياسة العرب .الذين عاشوا كبارا وماتوا صغارا ،و منهم أو بفراس الحمداني ،وأبو القاسم الشابي ،وإبراهيم طوقان والقائمة تطول.
كان شاعرنا يُعبأ ضدَّ القتلة بغير علمه وبعيدأ عن نظر المقتول والده .وتحت رعاية قبيلة أمه التي حكمها الملك خاله ، كلب إبن ربيعة .. وفي حالة الملك الظليل لا يمكننا القول (تعلم الشعر منذ صغره من خاله المهلهل ) والسبب هو كونه هو من رقق الشعر أولا ومعه خاله ، وإن كان خاله هو مبتكر الشعر وهو أول تلاميذه، فيمكننا القول أنه علمه . وليس غريباً على تلميذ الزير سالم تعلمه (الشعر الإباحي ومخالطة الصعاليك بالرغم من نهي والده له عن ذلك) ولم يتخلى إمرؤ القيس عن أسباب (طرده إلى موطن قبيلته؛ دمون في حضرموت عندما كان في العشرين من عمره، فما إن قضى فيها خمس سنوات حتى مضى سائراً في بلاد العرب مع أصحابه، ساعياً وراء اللهو والعبث والغزو والطرب.)
لم تنتهي حَياة والده المَلك إلا بثورة نظمها بَنو أسد ضده ، فقتل الملك ،وبلغ نبأ مقتله شاعرنا الشهير الكبير لينطق بمقولته الشهيرة الكبيرة ..: (رحم الله أبي، ضيعني صغيراً، وحملني دمه كبيراً. لا صحو اليوم ولا سُكْرَ غداً، اليوم خمر وغداً أمر) ومعنى ضيعني هنا ، هو طردني وحكم عني بشبه النفي إلى حمى الأعمام. فخنتُ الأيام وخانتني وإختلطتُ بما نهيتُ عنهُ .. ولم ينتبه أمرؤ القيس إلى النبأ جيداً فتجاهل أنه خبرٌ محزنٌ .وتمكن بذاك التجاهل من عدم البكاء وإستطاع خزن دمعهِ ليوم أخر .وقرر على الفور التحكم في فورة دمه. فأمر من في مجلسه بمواصلة قرع الأقداح بالأقداح. ليستمر الإرتياح ليلة أخرى من الليالي الملاح إلى أن يأتي الصباح وتأتي معه زوابع الثأرمحملة بغبارٍ لا يلمعُ تحتهُ إلا السيوفُ والرماحُ..
إذاً شب الأمير وقـُتل والده فقرر الإنطلاق في رححلة عمر من سياسة وحرب، كان قد إستهلها بحماسة ورصانة وفراسة تـُنبأ المراقبين بأنه فعلاً يفكر في خوذ حرب لا خسارة فيها . فقد نذر أن لا يشرب الخمر حتى يثأر لوالده . وإستقام فعلا على خلق محارب جاد يرمي بقوله قبل سهمه ويقتل بشعره قبل سيفه فعرفت العرب أنه (أخذ على عاتقه مسؤولية الثأر لأبيه، وإسترجاع كفة حكم كندة) وكذلك حلف ألا يغسل رأسه. وأن لا ييأس حتى يحشد للعدو ويشد أزره بأنصاره . وقصد قبائل أخواله بكر وتغلب وإستنهض فيهم النخوة والحمية . فظفر بنصر أولي وقتل عدداً غفيراً من بني أسد . ( فطلبوا أن يفدوه بمئة منهم فرفض، فتخاذلت عنه قبائل بكر وتغلب، وقد نظم شعراً كبيراً في هذه الأحداث. )
وفي تلك الحرب الثأرية الدامية إثطر إمرؤ القيس إلى مواجهة المنذر ملك الحيرة، الذي نصره عنه كسرى ملك الفرس . وكانت تلك المواجهة سبب إطلاق لقب الملك الظليل على جندح إبن حجر . وتمثل الظلال في فراره من المنذر وكسر .
(وإتجه إمرؤ القيس إلى اليمن، وأقام بها زمانا يطلب مددا من قومه. ) ولم يكن جبانا بقدر ما كان ضعيفا عسكريا ، فصبر إلى أن تمكن من (جمع جمعا من حمير ومذحج أمده بهم الملك ذي جذن الحميري) وعلى متن تلك الحمير ركب متجهاًً صوب بني أسد( وإنتقم من قاتل أبيه وذبح عمرو بن الأشقر سيد بني أسد.) وفور تحقق نصره أنشد مزهوا بالنصر:
قولا لدُودان نجد عبيد العَصا مَا غركم بالأسدِ البـــــاسل
قد قرت العينان من مـــــالك ومن بني عمرو ومن كاهل
ومن بنــي غنم بن دودان إذ نقذف أعلاهم على الــسافل
نطـــــعنهم سلكى ومخلوجة لفتــــــــــك لأمين على نابل
إذ هـــن أقساط كرجل الدبى أو كقــــــطا كــاظمة الناهل
حتى تـــــركناهم لدى معرك أرجــــلهم كالخشب الشــائل
حلــت لي الخمر وكنت أمرأ عن شربها في شغل شــاغل
فـــاليوم أسقى غير مستحقب إثما من الله ولا واغـــــــــل
هذا الكلام للملك الظليل وأخره قول فيه يذكر الله . ويبرأ نفسه من الإثم إذا سقى نفسه خمرا، وغسل رأسه مرة أخرى. في دنيا لا يستحي فيها من أبيه القتيل وقد أحياه بثأر مُنيم . أحرزه وبات في سياسته حُرا وحريته كانت على ما لا يزال يذكر اليوم خمر وغدا خمر. أما الأمر فقد كان للملك حُجر .وقد مات بثورة بني أسد .. ويبقى لآمرؤ القيس الفضل في تلك الهبة الملكية المفاجأة .التي قتلت القاتل وقتلت قبيلته حتى الهزيمة ،وبهزيمة العدو عادت الأوامر إلى فاه الملك لتخرج منه …وعلى ذكر الأوامر كان شاعرنا قد رفض أمراً وجهه له الصنم الذي يعبده ويخلص له الوثنية .وهو الصنم ذو الخلصة وذكر الكلبي: (أن إمرأ القيس أقبل براياته يريد قتال بني أسد حين قتلوا أباه، فمر على تبالة وبها ذو الخلصة ،وكانت العرب تستقسم عنده، فإستقسم فخرج القدح الناهي، ثم الثانية، ثم الثالثة كذلك، فكسر القداح وضرب بها وجه ذي الخلصة وقال: عضضت بأير أبيك لو كان أبوك المقتول لما عوقتني. ثم أغار على بني أسد فقتلهم قتلا ذريعا. )ويروى أن لذا الخلصة الصنم ثلاثة أقداح ، الناهي ، والأمر ، والمتربص . وتقرأ أقداحه بطريقة قراءة الفنجان لدى العرافين والعرافات.
ويروى أن شاعرنا صاح في فرسان من كنانة بطريقة خاله الزير ” يا للثارات” وكان مزهوا بما ظنه ثأراً من قتلة أبيه ومناصرة مضمونة من قوم هم كقومه . ولكن ردهم ما أجابه برد مرضي ، لما قالوا “والله ما نحن إلا من كنانة”. فأنشد فيهم قائلا:
ألا يا لهف نفسي، بعد قوم هم كانوا الشفاء، فلم يصابوا
وقاهم جـــــدهم ببني أبيهم وبالأشقين ما كــــان العقاب
وأفلـــــتهن علباء جريضاً ولو أدركـــنه صفر الوطاب
لهف النفس معناه يا حسرتاه ،وإني قد أسُبُ من تأخر على نجدتي بعدما كنتُ طلبت منه المساعدة. وكان بالنسبة لي كأنه الشفاء قبل أن يكون الدواء المُخلص من الداء . ولكن عِندما تأكد الشَاعر من إختلاف فِي المَشاعر بينه وبين معارفه من كنانة وأهله فيها . قال فيهم قوله اللائم، وعاش هذا الرأي كمثال دائم لآمة العرب تستقي منه ما يشفي غليلها ويروي عطشها. إذا ظهرت للعرب خلافات ردمت في هوتها السحيقة أخوتهم العريقة .. وفي مثل هذا المقام أردت أن أنظم قصيدة ، أنطق فيها على لسان إمرؤ القيس .وأجاري غضبهُ بشاعريتِي .علني أستطيع تصور أجزاء من خطته الحربية ،وألمس النفسية السياسية التي قاوم بها خيانة الأقربين : -1-
ألآن لكم زمانكم حــــديد اليأس فــــــــــلا رَوعت سُيوفكم عزم نفسي
إني فوق بؤسكم سـَــكبتُ بأسي وأشدُ من صَواب رُؤوسكم فكر رَأسي
هذا يَوم سألتكم فيه حَرب الأيام فإذا بكم عَلى خلاف مَع جنــــــــــــسِي
أبشر يَا أبتاه بمهلكِ الأقــــــوام التِي فِي قلوبهـــَــــــا حِقداً غير منسي
أبَيْتُ شعرٍ يُنجني فيقزم الأقـزام أو أمـــــر بَعد خمر وخشونة فِي الحِس
أودُ لو أصيبُ قتلاً بعددِ الــسِهام فعلاَّ المُفدى بخير يــــــُـــصبحُ ويُمسي
أمَرتَ مَولاي فكان العَيش حَرامُ على أســــدٍ ما زأر إلا بالنــــَـــــــــحْس-1-
مات إمرؤ القيس سنة 540 م على الأرجح ،ويقع قبره الأن في تلة هيديرليك بأنقرة. ويقال أن الروم نصبوا له نصباً تذكاريا إستمر شامخاً يُخلد ذكراه ُحَتى العَام 1262م . ولموته قصة متضاربة الأراء موحدة في سبب الوفاة . وقد كان السبب هو إصابته بمرض الجذري أثناء عودته من القسطنطينية. في نهاية رحلة خاذها ليطلب المدد العسكري ويتسلح ضد المنذر وكسرى . فتقرح كل جسمه ولم يستطع الصمود فمات ودفن في طريق العودة . وبسبب مرضهِ إكتسب لدى المُؤرخين كنيته الأخرى .فصار يُكنى بذو القروح . وهناك رواية يذكر فيها أن(أن الإمبراطور جستنيان غضب من إمرئ القيس بعد مغادرته القسطنطينية، لأنه إكتشف أنه أغوى واحدة من أميراته، وأرسل رسولا مع سترة مسمومة قدمت في شكل هدية، وأن إمرأ القيس إرتدى السترة وإشتد به المرض من جراء السم.)
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد