مذبحة أوسيم وكوارث الفوضى الخلاقة
بقلم د. محمود محمد علي
شهدت مدينة أوسيم يوم الثلاثاء الماضي الموافق 19/3/2019 حادث بشع، أشعلها شاب مدمن يدعى “محمود” وعمره 36 سنة ، حيث تلقى مركز شرطة أوسيم بمديرية أمن الجيزة بلاغاً بإطلاق شخص أعيرة نارية تجاه عدة مواطنين بالقرب من كوبرى الصفيرة بدائرة المركز، حيث نتج عن ذلك وفاة أربعة وإصابة ثلاثة آخرين، حيث انتقلت القوات على الفور وحال قيامها بضبطه قام بإطلاق أعيرة تجاههم فبادلته القوات إطلاق الأعيرة النارية مما أسفر عن مصرعه وإصابة ( ضابط وأمين شرطة ) بأعيرة نارية ، وضبط سلاح آلى وعدد من الطلقات النارية كانت بحوزته. وقامت القوات بمبادلته النيران مما أدى إلى وفاته وإصابة ضابط وأمين شرطة بأعيرة نارية، تم نقلهما للمستشفى لتلقى العلاج، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية.
النيابة العامة بشمال الجيزة فتحت تحقيقات حول الواقعة التى عرفت بـ “مذبحة أوسيم”، لكشف ظروف وملابسات الحادث، حيث تم انتداب فريق من المعمل الجنائى لرفع الأدلة الجنائية من موقع الحادث، وانتقل فريق من النيابة إلى مسرح الواقعة للمعاينة. وأسفر الفحص أن الجانى يقيم بدائرة المركز، ويمتلك مخزن مواسير بمكان الواقعة، ومشهور عنه تعاطيه الدائم للمواد المخدرة، وأثناء مشاجرة بينه وبين زوجته، خرج على إثرها من المخزن وبحوزته سلاح آلى مطلقاً الأعيرة النارية تجاه بعض المواطنين تصادف وجودهم بمكان الواقعة مما أدى إلى “وفاة أربعة أشخاص وإصابة ثلاثة أخرين”.
واستمعت النيابة إلى عدد من شهود العيان من أقارب وجيران مرتكب المذبحة، واكدوا أنه كان دائم الشجار مع أسرته وخاصة زوجته، لدرجة أنهم كانوا يستيقظون على أصوات شجاره وهو دائم التعدى على زوجته بالضرب والسب، وقبل الحادث بدقائق سمعوا أصوات شجاره، وبعدها خرج إلى الشارع وأطلق النيران على المارة بشكل هستيري. بينما قال أحد الشهود أن الجانى كان يتعاطى أنواعاً مختلفة من المواد المخدرة، وآخرها «الاستروكس» الذى أطاح بعقله وتحولت طباعه إلى العنف وافتعال المشاجرات، إلا أن الشهود أكدوا أنه ينتمى لعائلة عريقة فى أوسيم ومشهود لها بحسن الخلق والطيبة.
كما استمعت النيابة إلى أقوال القوة الأمنية التى انتقلت إلى موقع الحادث، وقرروا أن مركز شرطة أوسيم تلقى بلاغاً بسقوط عدد من القتلى والمصابين على يد شاب مدمن فانتقلوا على الفور مدعومين بقوات من الأمن العام ومباحث الجيزة، وفوجئوا بوجود جثث المجنى عليهم غارقة فى دمائها وقد فارقوا الحياة ومصابين أخرين وشاهدوا الجانى يقف أمام منزله، ولم ترهبه قوات الشرطة، واستمر فى إطلاق الرصاص مما اضطرهم إلى مبادلته إطلاق الرصاص، لمنع سقوط العديد من الضحايا الأبرياء ، وأسفرت المواجهة الأمنية عن مقتله وإصابة ضابط وأمين شرطة.
ولا شك في أن هذه الحادثة هي نوع من كوارث الفوضى الخلاقة التي يموج بها المجتمع المصري بعد أحداث الربيع العربي التي ظهرت في أواخر 2010 ، والتي اقتلعت أنظمة وخلفت الكثير من مظاهر الإنفلات الأمني، الذي استغله الخارجون عن القانون والمتاجرين؛ لجلب المخدرات والسلاح معا داخل الدولة المصرية ليتم تدميرها من الداخل ، بعد أن نجاها الله بعنايته، ووعي وإرادة الشعب، وفضل القوات المسلحة، وموقفها الوطني في ثورة 30 يونيو 2013، عندما قامت بتأييد مطالب المصريين، وحماية الدولة ومؤسساتها..
ففيما يتعلق بظاهرة تعاطي المخدرات في مصر، نجد أن كثير من تجار المخدرات استغلوا حالة الانفلات الأمني المتعمدة بعد ثورة يناير 2011 ، قاموا برفع معدلات تجارة المخدرات، فأصبحت مصر تحتل المرتبة الثانية في أفريقيا من حيث انتشار تعاطي وتجارة المخدرات، فالدلائل والاحصاءات تؤكد أن هناك ارتفاعاً في معدلات تعاطي المخدرات في البلاد بين المراهقين والشباب بنسب غير مسبوقة فاقت بكثير المعدلات العالمية؛ حيث قالت وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي” إن نسبة تعاطي المخدرات في مصر بين الفئة العمرية من 15 إلى 65 سنة وصلت إلى 10%، وهي ضعف المعدل العالمي البالغ 5%، وذلك وفقا لآخر مسح قومي تم إعداده عام 2014، كما وصلت نسبة التعاطي بين بعض الفئات مثل السائقين إلى 24% والحرفيين 19% وطلبة المدارس الثانوية 7,7%”. وأوضحت الوزيرة، خلال ترأسها لاجتماع مجلس إدارة صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي الأسبوع الماضي، “أن الجريمة في مصر ارتبطت بشكل كبير بتعاطي المخدرات، لافتة إلى أن نسبة ارتكاب الجريمة تحت تأثير المخدرات وصلت إلى 79% بين نزلاء إحدى المؤسسات العقابية”.
وأما بالنسبة لظاهرة انتشار السلاح في مصر، فقد وجدنا أن الكثيرين هنا وهناك يستخدمون جميع أنواع الأسلحة ونسمع طوال الليل طلقات نارية في الهواء بدون حسيب أو رقيب عليها، حيث انتشر السلاح في مصر بشكل غير مسبوق عقب ثورة 25 يناير، فقد غزت سيناء صناديق معبأة بالأسلحة عبر الحدود مع غزة، سواء من الجانب الإسرائيلى، أو من حركة حماس التى أعادت استخدام أسلحة المقاومة، بأن أعادتها إلى سيناء إبان حكم الرئيس المعزول محمد مرسى؛ مما جعل السلاح موجود بشكل مخيف بالشارع المصري ويوجد أشخاص ضعاف النفوس يقومون باستغلال بعض المواطنين الذين ليس لديهم وطنية من أجل بعض المبالغ المالية فيستطيع عمل كل شئ.
لقد أصبحت تجارة السلاح وتجارة المخدرات تجارة عالمية قبل أن تكون محلية ويتركز نشاطها في التجارة غير المشروعة للأسلحة الثقيلة والخفيفة ولها سماسرة ومقاولين وناقلين وارباحها خيالية. ويوجد كثير من المنظمات الارهابية وعصابات الجرائم المنظمة تتخذ منها وسيلة للتربح السريع التي تركز علي مناطق الصراع السياسي والطائفي.
فالبيانات والإحصائيات تؤكد ارتفاع معدلات الإنفاق على المخدرات والسلاح بما يعادل مليارات الجنيهات، فى الوقت الذى تبدو فيها إمكانية إيقاف مافيا المخدرات والسلاح شبه معدومة فى ظل اتساع نطاق الحروب فى البلدان المجاورة، فمن سوريا إلى العراق هناك تنظيمات مسلحة توسع بطبيعة الحال من مدى انتشار السلاح والمخدرات.
كما تؤكد تلك البيانات والإحصائيات أنه يوجد أكثر من 10 آلاف قطعة سلاح تم سرقتها من الأجهزة الأمنية في اعقاب25 يناير2011 لم تسترد حتي الآن.. عمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود لم تتوقف.. ومع تفاقم الأزمات السياسية الحالية بين الدول، نجد أن بعض الخبراء الأمنيين يحذر من استخدام هذه الأسلحة في اعمال عنف دموية تهدد استقرار البلاد.
وهنا أهيب بالجهود المضاعف الذي تبذله كل أجهزة الدولة والتعاون الغير مسبوق بين وزارة الداخلية ووزارة الدفاع ووزارات أخري خلال هذه الأيام ، والذي يتم في كافة حدود الأراضي المصرية للحد من دخول المخدرات والسلاح داخل الدولة ، حيث نجد كل يوم تتم فيه عمليات بدءا من مكافحة التهريب خارج حدود البلد وبالتعاون مع جنوب دول أوربا المطلة علي البحر الأبيض المتوسط والمعلومات التي تقدمها الدولة المصرية لهم لكي يسترشدوا من خلالها عمليات ضبط المراكب والكميات الضخمة من المخدرات والأسلحة أيضا ومكافحة المخدرات علي الحدود في الصحراء الغربية الممتدة.
د. محمود محمد علي
مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط