نسائم الإيمان ومع السيده أم كلثوم ينت النبى
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
هي السيده أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمها خديجة بنت خويلد ، وقد تزوجها عتيبة بن أبي لهب بن عبد المطلب قبل النبوة فلما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنزل الله: ( تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ )، قال له أبوه أبو لهب: رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته، ففارقها ولم يكن دخل بها، فلم تزل بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلم تكن بنات النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ببعيدات عن الهم والحزن، ولم يختلف حظ أم كلثوم كثيرًا عن حظ أختها رقية، فكان قدرهما أن يخطبهما جدهما عبد المطلب لأبناء أبو لهب، فزوجت السيدة رقية لعتبة ابن أبو لهب، وزوجت أم كلثوم لعتيبة ابن أبو لهب.
واشتهرت السيدة أم كلثوم رضى الله عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم، بالكرم والقلب الحنون، وحبها لأخواتها وتعلقها الشديد بأمها السيدة خديجة رضى الله عنها، وكانت من أول المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة بعدما اشتدت الحروب بين المسلمين والكفار فى مكة، ثم عادت إليها بعدما هدأت الأوضاع وكانت تحرص على تقديم العون لأخواتها وأبيها وتسانده فى نشر الدعوة.
أمّ كلثوم هي ابنة، وحبيبة الصّادق الأمين، والنّبي الكريم محمدٍ عليه أتمّ الصلوات، وأتمّ التسليم، أسلمت مع أمّها خديجة بنت خويلد، وأخواتها، وكانت من الدّعاة معهنّ للإيمان برسالة التوحيد، ومواجهة الشّرك بالبرهان والتفنيد، وملكت السّيدة أمّ كلثوم رضي الله عنها كثيراً من الصّفات، والتي ظهرت جليّاً في الظروف، والمواقف، وكيفيّة مواجهتها، ومنها الصبرُ .
والذي ظهر في العديد من المواقف، بيد أنّ أكثرها وضوحاً صبرُها على تعدّي وإيذاء زوجها عُتَيبة، وأمّه، ووالده أبي لهب عليها، وعلى والدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلى أن تطلّقت منه ، وأيضا الإرادةُ، والتحمّلُ، حين حاصرت قُريش أهلها في شعب أبي طالب ثلاث سنين، حتى أكلت مع المسلمين أوراق الشجر، وتحمّلها فقدان والدتها أمّ المؤمنين خديجة، والتي كانت سنداً للرسول صلى الله عليه وسلم ، ولبناته.
وأيضا من صفاتها الكرمُ، وهذه الصفة تميّزت بها، حتى لقّبها الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم بالخيِّرة، حيث كانت صاحبةَ فضل كبير ، وكذلك حسنُ العبادة، والقنوت، وهذه الصّفة من الصّفات التي اجتمعت فيها وفي زوجها ذي النُّورين عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وذات يوم ، دخل نبي الله الكريم صلى الله عليه وسلم بيته وقد غطاه التراب الذي نثره أحد المشركين على رأسه ، فأخذت أم كلثوم تزيله عن رأس أبيها وهي تبكي ، فقال لها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لا تبكين يا أم كلثوم ، فإن الله مانع أباك.
وعانت أم كلثوم مثلما عانى غيرها من المسلمين من شدة الجوع ، نتيجة الحصار الذي كانت قد فرضته قريش على المسلمين بها ، حتى أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، قال عن تلك الفترة إنه من شدة جوعه، وطئت قدميه على شيء رطب، فقام بوضعه في فمه وابتلعه دون أن يعرف ما هو هذا الشيء قط.
وأم كلثوم هى أكبر من رقية ومن فاطمة ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، زوج رقية من عثمان بن عفان ، فلما توفيت زوجه أم كلثوم, وما كان ليزوج الصغرى ويترك الكبرى ، وأسلمت أم كلثوم حين أسلمت أمها، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخواتها حين بايعه النساء، وهاجرت إلى المدينة حين هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولقد كانت هناك أيام صعبة على أم كلثوم ، حيث حملت فيها هم أمها وأبيها، وأختها الصغيرة فاطمة، حيث كانت رقية آنذاك في الحبشة وزينب في بيت زوجها، أمام هي فقد كانت تتأمل أمها بحزن بالغ ، حيث مرضت وتقدمت بها السن إلى أن فارقت أمها السيدة خديجة الحياة في أحضانها.
وعصف بها الحزن من كافة الأنحاء، فقد شهدت أبيها وهو يهيل التراب فوق أمها بنفسه ثم يعود إلى داره محزونًا متألمًا من الفارق، وكأنه يختبر مشاعر يتمه من جديد، بعدها هاجر النبي صلّ الله عليه وسلم، وظلت أم كلثوم قابعة مع شقيقتها فاطمة في مكة ، إلى أن أرسل زيد بن حارثة ليأتيه بهما.
وخرجت أم كلثوم إلى المدينة لما هاجر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، مع فاطمة وغيرها من أولاد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، فتزوجها عثمان بن عفان بعد موت أختها رقية في ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة.
وعن قتادة بن دعامة قال: تزوج أم كلثوم بنت رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم ، عتيبة بن أبي لهب فلم يبن بها حتى بعث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، وكانت رقية عند أخيه عتبة بن أبي لهب ، فلما أنزل الله ( تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ ) قال أبو لهب لابنيه عتيبة وعتبة: رأسي من رأسكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد، وقالت أمهما بنت حرب بن أمية وهي حمالة الحطب: طلقاهما يا بني فإنهما قد حبتا فطلقاهما.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن أم كلثوم بنت النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنها قالت: يا رسول الله، زوجي خير أو زوج فاطمة؟ قالت: فسكت النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ثم قال: “زوجك ممن يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله”، فولت، فقال لها: “هلمي ماذا قلت؟”، قالت: قلت: زوجي ممن يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال: “نعم، وأزيدك دخلت الجنة فرأيت منزله ، ولم أر أحدًا من أصحابي يعلوه في منزله”.
لما توفيت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف عثمان بن عفان على أم كلثوم بنت رسول الله وكانت بكرًا وذلك في شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة ، وروى سعيد بن المسيب أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم رأى عثمان بعد وفاة رقية مهمومًا لهفان فقال له: “ما لي أراك مهمومًا” قال: يا رسول الله وهل دخل على أحد ما دخل علي، ماتت ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت عندي وانقطع ظهري، وانقطع الصهر بيني وبينك.
فبينما هو يحاوره إذ قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “يا عثمان هذا جبريل عليه السلام يأمرني عن الله عز وجل أن أزوجك أختها أم كلثوم على مثل صداقها وعلى مثل عشرتها”. فزوجه إياها ، لما زوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بنته أم كلثوم بعثمان قال لها: “إن بعلك أشبه الناس بجدك إبراهيم وأبيك محمد”.
وتقول أم عياش: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما زوجت عثمان أم كلثوم إلا بوحي من السماء” وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعثمان: “يا عثمان هذا جبريل يخبرني أن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها”.
وتوفيت في شعبان في السنة التاسعة من الهجرة ، وعن أم عطية قالت: دخل علينا رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم ، ونحن نغسل ابنته أم كلثوم. فقال: “اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور ، فإذا فرغتن فآذنني” فلما آذناه ، فألقى إلينا حقوه ، وقال: “أشعرنها إياه”.
وتوفيت أم كلثوم في حياة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة تسع من الهجرة وجلس رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم على قبرها ونزل في حفرتها علي والفضل وأسامة.
وعن أبي أمامة قال: لما وضعت أم كلثوم ابنة رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم في القبر قال رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم ( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) ثم لا أدري أقال: “بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله” أم لا.
وعن أنس رضي الله عنه قال: شهدنا بنتاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، قال: فرأيت عينيه تدمعان، قال فقال: ” هل منكم رجل لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا، قال: فانزل، قال: فنزل في قبرها ” . رواه البخارى .
وبهذا يتبين فضلها ومنزلتها إذ أبدلها الله عز وجل بعد مفارقة ابن أبي لهب برجل حيي كريم تستحي منه الملائكة وهو من أفضل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان نعم الزوج لها ونعمة الزوجة له، كما أنها حظيت رضي الله عنها بأن يكون المصطفى صلى الله عليه وسلم إمام المصلين على جنازتها وكفى بذلك منقبة وفضيلة لما في دعائه لها من البركة والرحمة والمغفرة.