نسائم الإيمان ونبذه عن حياة أبو لهب عم الرسول
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
أبو لهب هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
وأبو لهب هو عم الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب وكنيته أبو عتبة ، وهو الأخ غير الشقيق لعبد الله بن عبد المطلب والد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .
وعرف عبد العزى بكنية أبو عتبة نسبة لأبنه الأكبر عتبة بن عبد العزى بن عبد المطلب، ولكن الاسم المشهور له هو أبو لهب، ولقبه إياه أبو عبد المطلب لوسامته وإشراق وجهه ، ويوم ميلاد النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، جاءت جاريته ثويبة وبشّرته بميلاد ابن أخيه ففرح لذلك وحرّرها من الرق.
وكان أول من جهر بعداوة الإسلام لما جهر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بدعوته، ولم يكتف بالمعارضة الصريحة بل عضدها بالعمل والكيد، فقد مارس صور شتى أنواع أذى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وصد الناس عنه .
بل إن أبا لهب لم يدخل مع قومه شعب بني هاشم لما حاصرتهم قريش فيه، ولما لم يستطع الخروج مع قريش لقتال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، يوم بدر واستأجر بدلاً منه العاص بن هشام بن المغيرة بأربعة آلاف درهم.
وكان أبو لهب وزوجته يسكنان في بيت مجاور للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ناصب هو وزوجته رسولَ الله صلى الله عليه وسلم العداء، ولم يراعيا حقًّا للقرابة والجوار، فكان بئس العمِّ وبئس الجار، حيث لم يكتفِ بتخاذله عن نُصْرَةِ ابن أخيه وحمايته .
بل عاداه وحاربه واجتهد في صَدِّ الناس عنه، وكانت زوجته على شاكلته، فهي شريكة له في اختيار الكفر والتكذيب، وفي صبِّ الأذى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعلان التكذيب بدين الله ودعوته.
وكان سبب هذه العداوةِ من أبو لهب للنبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، هى الغيرة والحسد للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان أبو لهب رجلًا موسرًا جمع مالًا طائلًا، وكان يُعَدُّ من الطبقة الوجيهة المعروفة من قريش، وكانت له طبيعة غير طبيعة إخوته، فإخوته يطلبون السيادة والشرف والعزة بالخلق العربي الصميم .
وهو يطلب المال والدنيا، وفيه أثرة، وحب الذات، ومن يكون كذلك يميل دائمًا إلى الابتعاد عما يثير المتاعب، وقد هداه تفكيره إلى أن دعوة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ستضره كثيرا، فقاومها، وشدد في المقاومة هو وزوجته، والنبى محمد صلى الله عليه وسلم كان يتيما فقيرا.
وكان وزوجته المكناة بأم جميل من سادات نساء قريش، وهي أروى بنت حرب بن أمية وهي أخت أبي سفيان، وكانت عونا لزوجها على محاربة وإيذاء النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث كانا من أكثر من عذبا وتجاوزا عليه، وكانت زوجته أم جميل تجلب الأشواك لتضعها في طريقه بهدف إدماء قدميه.
وكانت أيضا امرأة سليطة تبسط فيه لسانها، وتطيل عليه الافتراء والدس، وتؤجج نار الفتنة، وتثير حربا شعواء على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فعن جندب بن سليمان رضي الله عنه أنه قال: اشتكى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .
فلم يقم ليله أو ليلتين ليلتين، فأَتت امرأَة ، وهي أم جميل ، فقالت: يا محمد ما أَرى شيطانك إلَّا قد تركك ، فأَنزل الله عز وجل: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ سورة الضحى ، رواه البخارى ومسلم .
وكان له ثلاثة أبناء ، وهما عتبة بن أبي لهب ، ومعتب بن أبي لهب ، وعتيبة بن أبي لهب ، وقد أسلم الأولان يوم فتح مكة، وشهدا حنيناً والطائف، وأما “عُتيبة” فلم يسلم، وكانت “أم كلثوم” بنت رسول الله عنده، وأختها “رُقية” عند أخيه عُتبة، فلما نزلت السورة قال أبو لهب لهما: رأسي ورأسكما حرام إِن لم تطلقا ابنتي محمد .
فطلقاهما وتزوجهما فيما بعد عثمان بن عفان ولما أراد “عُتيبة” بالتصغير والخروج إلى الشام مع أبيه قال: لآتينَّ محمداً وأوذينَّه فأتاه فقال يا محمد: إِني كافر بالنجم إِذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، ثم تفل أمام النبي وطلَّق ابنته “أم كلثوم” فغضب ودعا عليه فقال: (اللهم سلط عليه كلباً من كلابك) فافترسه الأسد.
وكانت هناك معجزة نبوية في مقتل عتيبة بن أبي لهب ، فعتيبة مات كافراً، وكان في موته معجزة وعبرة كما حدث مع أبيه، فقد روى أبو نعيم في الدلائل عن عثمان بن عروة بن الزبير رضي الله عنه عن رجال من أهل بيته قالوا: “كانت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عتيبة بن أبي لهب فطلقها .
فلما أراد الخروج إلى الشام قال: لآتين محمداً فأوذينه في ربه، قال: فأتى فقال: يا محمد هو يكفر بالذي دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى، ثم تفل في وجهه (إلا أن البزاق لم يقع عليه)، ثم رد عليه ابنته (طلقها)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم سلط عليه كلباً من كلابك .
وقال: وأبو طالب حاضر فوجم عنها وقال: ما أغناك عن دعوة ابن أخي فرجع ، فأخبره بذلك، وخرجوا إلى الشام فنزلوا منزلا فأشرف عليهم الراهب من الدير ، فقال لهم: هذه أرض مُسبِعة ، أى فيها أسود .
فقال أبو لهب: يا معشر قريش أعينونا هذه الليلة فإني أخاف عليه دعوة محمد، فجمعوا أحمالهم ففرشوا لعتيبة عليها وناموا حوله، فجاء الأسد فجعل يتشمم وجوههم ثم ثنى ذنبه فوثب فضربه بيديه ضربة فأخذه فخدشه، فقال: قتلني، ومات مكانه .
ويرى المسلمون بأن سورة المسد هي معجزة بحد ذاتها، إذ أنها توعدت أبو لهب وزوجته بعذاب نار جهنم خالدين فيها أبداً ، فلو أسلم أبو لهب أو ادعى الإسلام لكان نسف مصداقية القرآن من أساسها ، فقد نزلت هذه السورة قبل وفاة أبي لهب بعشرة سنوات.
وهلك أبو لهب بعد وقعة بدر بسبع ليالٍ بمرضٍ معدٍ كالطاعون يسمى “العدسة” وبعد موته نفر عنه ولده وأبناء عشيرته خوفًا من عدوى العدسة ، وبقي ثلاثة أيام حتى أنتن، فلما خافوا العار حفروا له حفرة ودفعوه إِليها بعود حتى وقع فيها ثم قذفوه بالحجارة حتى واروه.
وإن أحداث التاريخ منذ بعثة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فيها الكثير من المواقف والأحداث التي تبين العاقبة السيئة لمن استهزأ بنبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، كما حدث مع أبي لهب وابنه عتيبة ، وطريقة وقصة موتهما، وما فيها من معجزة نبوية، وعبرة للمكذبين المستهزئين بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر ماضٍ إلى قيام الساعة