نسائم الإيمان ومع ثويبه الأسلميه
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
السيده ثويبة الأسلمية، وهى أول مرضعة للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهى جارية عمّه أبي لهب، وقد أعتقها حين بشّرته بولادة محمد إبن أخيه عبد الله، وقد أسلمت بعد البعثة، وأبو لهب هو عبد العزى بن عبد المطلب المعروف بكنية أبو لهب وهو عم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو عتبة، وهو الأخ غير الشقيق لعبد الله بن عبد المطلب والد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد عرف عبد العزى بكنية أبو عتبة نسبة لابنه الأكبر عتبة بن عبد العزى بن عبد المطلب، ولكن الاسم المشهور له هو أبو لهب، لقبه إياه أبوه عبد المطلب لوسامته وإشراق وجهه.
وكان من عادة أشراف قريش أن يدفعوا بأطفالهم إلى مراضع من البادية، رغبة في تنشئة أولادهم على القوة والشجاعة، والفصاحة والبلاغة، ومن ثم التمسوا للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بعد ولادته مرضعة من البادية ترضعه، وقد ذكر أهل السِيَر أن مرضعات النبي محمد صلي الله عليه وسلم، اللاتي تشرفن برضاعته ثلاث نسوة، إضافة إلى أمه آمنة بنت وهب، فمنهن ثويبة مولاة أبي لهب، أرضعته أياماً، ثم أرضعته حليمة السعدية بلبن ابنها عبد الله أخو أنيسة، وجدامة وهي الشيماء، أولاد الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي، وأرضعت معه ابن عمه أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.
وكان عمه أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم عام الفتح، وحسن إسلامه، وكان عمه حمزة مسترضعاً في بني سعد بن بكر، فأرضعت أمه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً وهو عند أمه، فكان حمزة رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهتين: من جهة ثويبة، ومن جهة حليمه السعدية، وكانت ثويبة أول من أرضعت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بعد أمه، وأرضعت ثويبة مع النبي بلبن ابنها مسروح أيضاً حمزة بن عبد المطلب عمّ النبي، وأبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وقيل: أنه رؤى أبو لهب بعد موته في النوم فقيل له: ما حالك؟
فقال: في النار، إلا أنه يخفّف عني كل أسبوع يوماً واحداً وأمص من بين إصبعيَ هاتين ماء، وأشار برأس إصبعه، وان ذلك اليوم هو يوم إعتاقي ثويبة عندما بشّرتني بولادة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، بإرضاعها له، وكان إرضاعها للرسول أياماً قلائل قبل أن تقدم حليمة السعدية، وفي روايات تقول: إن ثويبة أرضعته أربعة أشهر فقط، ثم راح جده يبحث عن المرضعات ويجد في إرساله إلى البادية، ليتربى في أحضانها فينشأ فصيح اللسان، قوي المراس، بعيدًا عن الامراض والأوبئة إذ البادية كانت معروفة بطيب الهواء وقلة الرطوبة وعذوبة الماء وسلامة اللغة، وكانت مراضع بني سعد من المشهورات بهذا الأمر.
من بين العرب، حيث كانت نساء هذه القبيلة التي تسكن حوالي مكة ونواحي الحرم يأتين مكة في كل عام في موسم خاص يلتمسن الرضعاء ويذهبن بهم إلى بلادهن حتى تتم الرضاعة، فكان ميلاد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عتقًا للناس في الدنيا والآخرة، وليس ذلك فحسب، بل نالت السيدة ثويبة رضي الله عنها شرف أن تكون مرضعة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الأولى بعد أمه السيدة آمنة بنت وهب، حيث أرضعته لأيام قبل وصول السيدة حليمة السعدية التي تولت رضاعته والاهتمام به كعادة العرب في ذلك الزمان، وقد أرضعت ثويبة مع رسول اللّه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
وحمزة بن عبدالمطلب، وأبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، فنالوا جميعًا شرف أخوة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من الرضاعة، وكانت السيدة ثويبة رضي الله عنها من السابقين الأولين إلى الإسلام بعد بعثة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حيث سارعت إلى الدخول في الإسلام، شأنها شأن بقية أمهات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، كالسيدة أم أيمن بركة بنت ثعلبة، والسيدة حليمة السعدية رضي الله عنهن أجمعين، ومن محبة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، للسيدة ثويبة رضي الله عنها وودّه وبرّه بها أنه ظل يصلها ويكرمها ويبعث إليها بكسوة وحلة حتى بلغه خبر وفاتها.
وكان ذلك في العام السابع للهجرة، وذلك بعد غزوة خيبر، وكذلك كانت تفعل السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها تحبها وتكرمها في حياتها، وقد روي أن العذاب قد خفف عن أبي لهب في النار بسبب عتقه جاريته ثويبة فرحا بميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو ما رواه الإمام البخاري في صحيحه وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن، قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهب، وكان أبو لهب أعتقها، فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر حال قال له: ماذا لقيت؟
قال أبو لهب: لم ألق بعدكم، غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة وقيل أن العباس قال: لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول، في شرّ حال، فقال: ما لقيت بعدكم راحة، إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين، قال: وذلك أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قد ولد يوم الاثنين، وكانت ثويبة بشرت أبا لهب، بمولده فأعتقها، وأشار إلى النّقرة التي تحت إبهامه وفي ذلك إشارة إلى حقارة ما سقي من الماء” وجاءت الرواية كذلك أن العباس قال: مكثت حولا بعد موت أبي لهب لا أراه في نوم، ثم رأيته في شر حال، فقال: ما لقيت بعدكم راحة إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين.
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد يوم الاثنين، فبشرت أبا لهب بمولده ثويبة مولاته، فقالت له: أشعرت أن آمنة ولدت غلاما لأخيك عبد الله فقال: اذهبي، فأنت حرة، فنفعه ذلك، وهو في النار، وعن زينب ابنة أبي سلمة أن أم حبيبة رضي الله عنها أخبرتها أنها قالت: يا رسول الله، انكح أختي بنت أبي سفيان، فقال: ” أو تحبين ذلك؟ فقالت: نعم، لست لك بمُخلية، وأحب من شاركني في خير أختي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ذلك لا يحل لي، قلت: فإنا نُحدَّث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة، قال: بنت أم سلمة؟ قلت: نعم، فقال: لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حَلّت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تَعرضن عليّ بناتكن، ولا أخواتكن” رواه البخاري.
والربيبة هي بنت الزوجة أو بنت أولادها مهما نزلت بنتها لصلبها، أو بنت أولادها مهما نزلت فهي ربيبة لزوج الأم لا يجوز له أن يتزوجها، وظل رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يكرم أمه من الرضاعة ثويبة، ويبعث لها بكسوة وبحلة حتى ماتت، وتوفيت ثويبة في السنة السابعة للهجرة، بعد فتح خيبر، ومات ابنها مسروح قبلها.