نسائم الإيمان ومع السيده أم ذر
إعداد محمـــد الدكـــرورى
أم ذر الغفارية هى صحابية جليله، وكانت شاعرة من شواعر العرب ، وزوجة الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري، الذي ذكره الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله ” ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر ” وهو أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري هو صحابي من السابقين إلى الإسلام، وقيل هو رابع أو خامس من دخل في الإسلام، وأحد الذين جهروا بالإسلام في مكة قبل الهجرة النبوية، وقال عنه الذهبي أنه كان رأسا في الزهد، والصدق، والعلم والعمل، قوّالاً بالحق، ولا تأخذه في الله لومة لائم، على حِدّةٍ فيه، ونشأ أبو ذر الغفاري في مضارب قبيلته غفار.
وهى أحد بطون بني بكر بن عبد مناة بن كنانة، والتي كانت مضاربها على طريق القوافل بين اليمن والشام، واشتهرت بالسطو على القوافل، وكان أبو ذر الغفاري في الجاهلية يتكسب من قطع الطريق، وعُرف عنه شجاعته في ذلك، فكان يُغير بمفرده في وضح النهار على ظهر فرسه، فيجتاز الحي، ويأخذ ما أخذ، ورغم مهنته تلك، كان موحدًا، ولا يعبد الأصنام، وحين بلغته الأخبار بأن هناك من يدعو للتوحيد في مكة، سارع إلى الإسلام، فكان من السابقين إلى الإسلام على خلاف أكان رابع أربعة أم خامس خمسة انضماما إلى الإسلام، وقد أسلمت أم ذر مع زوجها أبي ذر بعد أن تبين لهم فساد عبادة الأصنام.
حيث كان لأبي ذر قبل إسلامه صنم يقال له نهم، أتاه أبو ذر يومًا فصبّ له لبنًا وتركه، ثم التفت فرأى كلبًا يشرب اللبن ثم بال على الصنم، ثم ذكر الخبر لامرأته، فأدركت أن الصنم لا ينفع ولا يضر، وتركا عبادة الأصنام، ثم أسلمت مع زوجها وانتقلا إلى يثرب، وهذه السيده الصحابيه أم ذر، أدركت قبل إسلامها أن الصنم لا ينفع ولا يضر، فإنه حجر أصم، وأنه لابد أن يكون لها رب كريم عظيم في فضائله، وقد تركت دارها في قبيلتها غفار، وسَعت إلى المدينة مع زوجها، الذي أخلصت له، وتحملت المشقات والمتاعب التي فاقت طاقتها لأجله، وقد سمعت من زوجها ما تعلمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتعلما منه الحكمة والأخلاق الكريمة، وكان دائما يقول لها علمني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول الحق ولو كان مرّا، وقد ظلا بيثرب أبو ذر وزوجته أم ذر، إلى أن توسعت الفتوحات الإسلامية، وقد تمسكت بالتعاليم النبوية الشريفة، وعضت عليها بنواجذها، ولم تضعف أمام ما تعرّض له زوجها، فقيل أنه حين سافر إلى دمشق وجد الناس يميلون إلى الدنيا ميلا عظيما، ويركنون إليها، فذهب إلى معاوية بن أبى سفيان، رضى اللَّه عنه، والى دمشق يومئذ، ودخل معه في حوار ساخن وعاصف، أدى إلى أن شكاه معاوية لدى الخليفة عثمان بن عفان، رضى الله عنه.
فقال زوجها لعثمان: أتأذن لي في الخروج من المدينة، فأذن له، فنزل منطقة تسمى الربدة، وبنى بها مسجداً، وأجرى عليه عثمان العطاء، وقد لحقت أم ذر بزوجها، وأقامت معه فيها، إلا أن صعوبة الحياة هنالك، أدت إلى أن مرض زوجها، وكان شيخاً لا يقدر على رمضاء هذا الجو، فقامت في خدمته لا تمل ولا تتعب ولا تشتكي، بل ظلت وفيةً له ومخلصة في إيمانها، وفى يوم من الأيام، أدركت أن زوجها على أعتاب الموت فبكت، فقال لها زوجها: فيم البكاء والموت حق؟ فأجابته، بأنها تبكي لأنه يموت وليس عندها ثوب يسعه كفناً، فيبتسم في حنان وقال لها: اطمئني، لا تبكى .
فإني سمعت النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه يقول: “ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين” فرأيت كل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقربة، ولم يبق منهم غيري، وها أنا ذا بالفلاة أموت، فراقبي الطريق، فستطلع علينا عصابة من المؤمنين، فإني واللَّه ما كَذَبتُ ولا كُذِّبتُ ، ثم فاضت روحه إلى الله سبحانه وتعالى، وبينما هو مُسجَّى على حِجْرِها إذ رأت قافلة من المؤمنين قد أخذت في الظهور من جانب الصحراء، وكان بينهم عبد اللَّه بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل عبد اللَّه رضى اللَّه عنه، وقام بغسله وتكفينه ودفنه.
ثم واسى أهله، وأخذهم معه إلى الخليفة عثمان في المدينة، وهذه هي أم ذر، زوجة الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري، رضي اللَّه عنهما، ما ماتت حتى تركت لنا مثالاً عظيماً في الوفاء لزوجها، والإخلاص له، والزهد في الدنيا، فقد ظلت بجانبه إلى آخر حياته وأكرمته، وظلت تحرسه حتى بعد موته، وصبرت معه على شظف العيش ومجاهدة النفس وغوائل الشهوة، وهكذا تكون المرأة المؤمنة الصالحة، ترضي زوجها، كي تنال رضا ربها، فرضي اللَّه عن أم ذر وأرضاها، وكان لأم ذر موقفه مع السيدة عائشة رضى الله عنهما، فعن أيوب أن أم ذر دخلت على عائشة تسلم عليها وذلك في رمضان.
فقالت لها عائشة: أتسافرين في رمضان، ما أحب أن أسافر في رمضان، ولو أدركني وأنا مسافرة لأقمت، وعن محمد بن واسع أن رجلا من البصرة ركب إلى أم ذر بعد وفاة أبي ذر يسألها عن عبادة أبي ذر، فأتاها فقال: جئتك لتخبريني عن عبادة أبي ذر رضي الله تعالى عنه، قالت: كان النهار أجمع خاليا يتفكر، وقالت أم ذر، قالت أم ذر: والله ما سير عثمان أبا ذر ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا بلغ البناء سلعا فاخرج منها، فلما بلغ البناء سلعا وجاوز خرج أبو ذر إلى الشام.