الدكرورى يكتب عن إتساع أبواب الخير ” الجزء الأول “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
لقد أمر الله تعالى بفعل الخير وجعله سببا من أسباب الفلاح فقال عز وجل فى كتابه الكريم ” وافعلوا الخير لعلكم تفلحون” وصنع الخير أمر ربانى وفريضة شرعية وفضيلة إسلامية، وهو من الأفعال الحسنة التي تطمئن لها النفس، ويبعث على الرضا والاستحسان، وإنه جزء من رسالة الأنبياء التي أوحاها الله تعالى إليهم، فقال سبحانه وتعالى فى سورة الأنبياء ” وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين” وقد أمرنا القرآن الكريم بالتسابق إلى فعل الخير فقال سبحانه وتعالى فى سورة البقرة ” فاستبقوا الخيرات” وعمل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم طوال حياته وفي كل أحواله، واقتدى به الصحابة الكرام رضوان الله عليهم في سلوكهم، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان سباقا، وحريصا على أن يكون له سهم في كل وجوه الخير، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” من أصبح منكم صائما”
قال أبو بكر أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فمن تبع منكم جنازة” قال أبو بكر أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فمن أطعم منكم اليوم مسكينا” قال أبو بكر أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فمن عاد منكم اليوم مريضا” قال أبو بكر أنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما اجتمعن فى امرء إلا دخل الجنة” فإن أسمى الغايات، وأنبل المقاصد أن يحرص الإنسان على فعل الخير، ويسارع إليه، وبهذا تسمو إنسانيته، ويتشبه بالملائكة، ويتخلق بأخلاق الأنبياء والصديقين، لذلك فقد أوصى الإسلام الحنيف الإنسان أن يفعل الخير مع الناس، بغض النظر عن معتقداتهم وأعراقهم، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنة.
وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه” فهذه أبواب عظيمة من أبواب الخير يعلمها لنا معلم الخير صلى الله عليه وسلم، فأول هذه الأبواب هو تنفيس كربات المؤمنين، فقال صلى الله عليه وسلم “من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة” فالجزاء من جنس العمل، كما قال الله عز وجل فى سورة البقرة ” فاذكرونى أذكركم” وقال النبي صلى الله عليه وسلم “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” وقال صلى الله عليه وسلم ” إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا” فالجزاء من جنس العمل، فمن نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله فى الدنيا والآخرة” فإن قال قائل لماذا ؟
قابل النبي صلى الله عليه وسلم كربة الدنيا بكربة يوم القيامة فقال “من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة” ثم قال “ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة” ولم يقل صلى الله عليه وسلم من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الدنيا وكربة من كرب يوم القيامة؟ فالجواب هو أن الكربة هى الشدة الشديدة، وأكثر الناس لا يصابون بذلك، وإنما قليل منهم من يصاب بهذه الكرب العظيمة في الدنيا، ثم إن تنفيس كربة يوم القيامة أضعاف مضاعفة من تنفيس كرب الدنيا، كما دلت على ذلك الأدلة، وإن غايات الناس مختلفة، وأهدافهم شتى فمنهم من تتحكم فيه الأنا والشهوات، كالجاه والتجبر والعلو في الأرض بغير حق، أما الإيمان فإنه يجعل وجهة المؤمن، متجهة إلى فعل الخير والمسابقة إليه، لذلك يجب أن يكون شعار المسلم وغاية المسلم في الحياة، هو ما قاله الله تعالى فى سورة الحج ” وافعلوا الخير لعلكم تفلحون”
والخير اسم شامل لكل ما ينتفع به المرء عاجلا أو آجلا، ويعتبر العمل الخيرى في الإسلام من أهم الأعمال شأنه شأن باقي الأمور التي يقوم بها المسلم، لأنه عمل يتقرب به المسلم إلى الله وهو جزء من العبادة، وقد أكثر الله سبحانه وتعالى، من الدعوة إلى الخير، وجعله أحد عناصر الفلاح والفوز، كما أمر سبحانه وتعالى بالدعوة إلى فعل الخيرات إضافة إلى فعله، فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة آل عمران ” ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير” والله تعالى يوازن بين مباهج الدنيا ومفاتنها، وبين المثل العليا والاتصاف بالمكارم، ويبين أن الفضائل أبقى أثرا، وأعظم ذخرا، وأجدر باهتمام الإنسان، وخير له في الدنيا والآخرة، لذلك قال سبحانه وتعالى فى سورة الكهف ” المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا” ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الصحيحين في الشفاعة “يترك الله عز وجل الناس بعضهم يموج في بعض، أى لا يقضي بينهم بحساب، فيبلغون من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون.
فيقول بعضهم لبعض ألا ترون ما بلغكم؟ ألا تنظرون أحدا يشفع لكم عند ربكم؟ فيذهبون إلى آدم فيقول لست لها، ويحيلهم على نوح عليه السلام، وهو أول أولي العزم من الرسل، فيقول لست لها، فيحيلهم على إبراهيم، ثم يحيلهم إبراهيم على موسى الكليم عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم، ثم يذكر نبى الله موسى القبطي الذي قتله فيحيلهم على نبى الله عيسى، فيقول عيسى لست لها، ولكن ائتوا محمدا عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتون نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول ” أنا لها أنا لها، فيدخل على ربه عز وجل، فإذا رأى ربه عز وجل خر ساجدا فيقال “ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فيشفع في الخلائق كلهم” فالله عز وجل يترك الناس يموج بعضهم في بعض، كما قال تعالى فى سورة الكهف “وتركنا بعضهم يؤمئذ يموج فى بعض ونفخ فى الصور فجمعناهم جمعا” ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه “تدنو الشمس من العباد فتكون على قدر ميل أو ميلين” ثم يقول ابن مسعود رضي الله عنه لا أدرى الميل مسافة.
أو الميل ما يكتحل به، فتكون على قدر ميل أو ميلين فتصهرهم الشمس، فمنهم من يبلغ عرقه إلى عقبيه، ومنهم من يبلغ عرقه إلى حقويه، أى إلى وسطه، ومنهم من يلجمه إلجاما” وفي الحديث الآخر “تدنو الشمس من العباد فتصهرهم، فيكونون في العرق كقدر أعمالهم، فمنهم من يغيب في رشحه، أى فى عرقه إلى عقبيه، ومنهم من يغيب في عرقه إلى حقويه أى عظام الحوض ومنهم من يبلغ عرقه إلى أنصاف أذنيه” فكربات الآخرة الشديدة هذه يخففها الله عز وجل عمن يخفف كربات المؤمنين، فتنفيس الكربة هو تخفيفها، وإزالة الكربة أبلغ من التخفيف، فتنفيس الكربة مأخوذ من فك الخناق حتى يأخذ نفسا، فجزاء التخفيف التخفيف، وجزا التنفيس التنفيس، وجزاء التفريج بالكلية التفريج بالكلية، فمن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والتيسير من جهة المال إن كان مدينا، كما قال الله عز وجل فى سورة البقرة ” وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة”..