الدكرورى يكتب عن ماذا بعد رمضان؟ ” الجزء التاسع “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء التاسع مع ماذا بعد رمضان؟ وقد توقفنا عند يا من وفقه الله لقيام الليل، لا تحرم نفسك هذا الفضل في بقية العام، فقد شرع الله لك قيام الليل في جميع الليال، ووعدك عليه بعظيم الأجر وجزيل النوال، وقد سئل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصلاة بعد الفريضة؟ فقال صلى الله عليه وسلم “صلاة الليل” رواه مسلم، وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يا عبد الله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل، فترك قيام الليل” وقد مدح الله عباده المؤمنين بقوله ” تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا” وقال تعالى أيضا ” كانوا قليلا من الليل ما يهجعون” فاحرص على صلاة الليل ولو أن توتر بثلاث ركعات، أو ركعة واحدة على الأقل، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ” أوتروا يا أهل القرآن، فإن الله وتر يحب الوتر” رواه أبو داود والترمذى، ويقول الإمام أحمد “من ترك الوتر ثلاث ليال، فهو رجل سوء، لا تقبل شهادته”
ويا من ذاق حلاوة الصيام، لا تحرم نفسك منه بقية العام، واعلم أن الله شرع لك صيام الإثنين والخميس، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأفضل الصيام صيام داود، فكان يصوم يوما ويفطر يوما، فإن ضعفت عن هذا، أو شغلت، فلا تغلبن على صيام الست من شوال فإن صيامها مع رمضان، يعدل صيام الدهر كله، فعن أبي أيوب الأنصارى رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر” رواه مسلم، ووجه ذلك أن الحسنة بعشر أمثالها، فيكون رمضان عن عشرة أشهر، والست من شوال عن شهرين، ويا من كان يسأل ربه كل يوم ويدعوه في القنوت وعند الإفطار، لا تحرم نفسك من الدعاء بقية العام، فإن الدعاء هو العبادة، كما قال الله سبحانه وتعالى ” وقال ربكم ادعونى استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين” فعبر عن الدعاء بالعبادة، فقال “عن عبادتي” والنبي صلى الله عليه وسلم يقول “الدعاء هو العبادة” رواه أبو داود والترمذى.
وذلك أن الدعاء يجتمع فيه أركان العبادة الثلاثة على أكمل وجه وأتمه من كمال الحب والتعظيم، وكمال الخوف، وكمال الرجاء، فإنك حين ترفع أكف الضراعة إلى ربك، وأنت تعلم يقينا أن الخير كله بيديه، وأن عنده خزائن السموات والأرض، وأنه الرحيم الكريم، ذو الفضل العظيم، يحب الملحين في الدعاء، ويغضب على عبده إن لم يسأله، فإنه يمتلئ قلبك بمحبته، والشعور بعظيم فضله ومنته، كما أنك تتذكر ذنوبك وتفريطك في جنب الله، فتخاف من غضبه عليك، وحرمانه إياك خير ما عنده بسوء ما عندك، وأن يرد دعائك بسبب ذنوبك، وهذا هو كمال الخوف، ثم تتذكر وأنت منكسر بين يديه، رافع أكف الضراعة إليه، أنه حيي كريم، تواب رحيم، واسع الفضل والمغفرة، عظيم المن والإحسان، مبتدئ بالنعم قبل استحقاقها، متفضل على عباده قبل السؤال، فكيف به بعد السؤال؟ فيحملك ذلك على رجائه بصدق، والطمع بفضله ورحمته، وهذا هو كمال الرجاء، وكما أن الدعاء عبادة من أجل العبادات.
فهو من أعظم أسباب جلب المحبوبات، ودفع المكروهات، وهو سلاح المؤمن وعدته في الشدة والرخاء، ولذلك أمر عباده بسؤاله وحضهم عليه، وآجرهم على ذلك، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم “من لم يسأل الله يغضب عليه” فالله تعالى يغضب على عبده إن لم يسأله، لكمال رحمته بعباده، وعلمه بشدة فقرهم وحاجتهم إليه، وكلما ألححت على الله بالدعاء، كنت منه أقرب، وإليه أحب، بخلاف ابن آدم، الذى يضجره كثرة السؤال، ويمله الإلحاح في الطلب، وقد يوفق شخص بإنسان مشفق محب، فإذا سأله شيئا بذله له، ثم إذا سأله ثانية أجابه مع تلكؤ وتردد، ثم إذا سأله ثالثة أجابه مع تكره وتبرم، وقد يسأله في الرابعة فلا يجيبه، أما الله تعالى فإنه يحب الملحين بالدعاء، ولا يمل من كثرة العطاء، فإن كان رمضان قد انقضى فإن عمل المؤمن لا ينقضي إلا بالموت، فقال الله تعالى ” واعبد ربك حتى يأتيك اليقين” يعني الموت، وقال عن عيسى عليه السلام ” وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا”
وبئس القوم قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان، حتى كأنما يعبدون رمضان، لا رب رمضان، والله تعالى لا يرضى من عبده أن يكون ربانيا في رمضان يسجد ويركع، ويبتهل ويتضرع، ويخضع ويخشع، ويبذل ويتبرع، فإذا انقضى رمضان انقلب من رباني إلى حيواني أو شيطاني، فإن من الناس من يجتهدون فيه بأنواع الطاعات، فإذا انقضى رمضان، هجروا القرآن، وتكاسلوا عن الطاعة، وتركوا الصلاة مع الجماعة، وودعوا الصيام والقيام، وأقبلوا على المعاصي والآثام، فهدموا ما بنوا، ونقضوا ما أبرموا، واستدبروا الطاعات بالمعاصي، واستبدلوا الذى هو أدنى بالذى هو خير، وبدلوا نعمة الله كفرا، وصاروا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، وتلك والله هي النكسة المردية، والخسارة الفادحة، ولذلك كان بعض السلف يقولون كن ربانيا ولا تكن رمضانيا، فبعد يومين من رحيل شهر رمضان المبارك كيف حالكم بعد رمضان ؟ فلنقارن بين حالنا في رمضان وحالنا بعد رمضان، فكنا في أيام رمضان فى صلاة.
وقيام وتلاوة وصيام وذ كر ودعاء وصدقه وإحسان وصلة أرحام، فذقنا حلاوة الإيمان وعرفنا حقيقه الصيام, وذقنا لذه الدمعه, وحلاوة المناجاة في الأسحار، فكنا نصلي صلاة من جُعلت قرة عينه في الصلاة وكنا نصوم صيام من ذاق حلاوته وعرف طعمه, وكنا ننفق نفقه من لا يخشى الفقر, وكنا وكنا مما كنا نفعله في هذا الشهر المبارك الذي رحل عنا وهكذا، كنا نتقلب في أعمال الخير وأبوابه حتى قال قائلنا ياليتني متّ على هذا الحال، ياليت خاتمتي كانت في رمضان، ولكن رحل رمضان ولم يمضى على رحيله إلا يومين ولربما عاد تارك الصلاة لتركه، وآكل الربا لأكله, ومشاهد الفحش لفحشه, وشارب الدخان لشربه، فنحن لا نقول أن نكون كما كنا في رمضان من الأجتهاد، ولكن نقول لا للإنقطاع عن الأعمال الصالحة, فلنحيا على الصيام والقيام والصدقة ولو القليل، ولكن يجب علينا أن نقول ماذا أستفدنا من رمضان ؟ فها نحن ودعنا رمضان المبارك ونهاره الجميل ولياليه العطره، وها نحن ودعنا شهر القرآن والتقوى.
وشهر الصبر والجهاد والرحمة والمغفرة والعتق من النار، فماذا جنينا من ثماره اليانعة وظلاله الوارقه ؟ فهل تحققنا بالتقوى وتخرجنا من مدرسه رمضان بشهادة المتقين ؟ وهل تعلمنا فيه الصبر والمصابرة على الطاعة وعن المعصية ؟ وهل ربينا فيه أنفسنا على الجهاد بأنواعه ؟ وهل جاهدنا أنفسنا وشهواتنا وانتصرنا عليها ؟ وهل غلبتنا العادات والتقاليد السيئة ؟ وهل وهل وهل؟ فهى أسئلة كثيرة وخواطر عديدة تتداعى على قلب كل مُسلم صادق، يسأل نفسه ويجيبها بصدق وصراحة، ماذا استفدت من رمضان ؟ فأنه مدرسة إيمانية، وإنه محطة روحيه للتزود منه لبقية العام، ولشحذ الهمم بقيه الغمر، فمتى يتعظ ويعتبر ويستفيد ويتغير ويُغير من حياته من لم يفعل ذلك فى رمضان ؟ فإنه بحق مدرسة للتغيير، نغير فيه من أعمالنا وسلوكنا وعاداتنا وأخلاقنا المخالفة لشرع الله عز وجل، فيقول تعالى ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”وإياكم ثم إياكم من نقض الغزل بعد غزله، وإياكم والرجوع الى المعاصي والفسق والمجون, وترك الطاعات والأعمال الصالحة بعد رمضان.