الدكرورى يكتب عن ماذا بعد رمضان؟ ” الجزء العاشر “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء العاشر مع ماذا بعد رمضان؟ فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، فقد أمرنا الله عز وجل بالمداومه على العباده والطاعه فقال “واعبد ربك حتى يأتيك اليقين” وهكذا يجب أن يكون العبد مستمر على طاعة الله ثابت على شرعه، مستقيم على دينه، لا يراوغ روغان الثعالب فيعبد الله في شهر دون شهر أو في مكان دون آخر، لا وألف لا، بل يعلم أن رب رمضان هو رب بقية الشهور والأيام، فقال تعالى فى سورة هود” فاستقم كما أمرت ومن تاب معك” وقال تعالى فى سورة فصلت” فاستقيموا إليه واستغفروه” والآن بعد أنتهاء صيام رمضان فهناك صيام النوافل كالست من شوال، والاثنين والخميس، وعاشوراء، وعرفه، وغيرها، وبعد أنتهاء قيام رمضان، فقيام الليل مشروع في كل ليله وهو سنة مؤكدة حث النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها بقوله ” عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم مطردة للداء عن الجسد ” رواه الترمذى وأحمد.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال” أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل ” وقد حافظ النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل، ولم يتركه سفرا ولا حضرا، وقام صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى تفطرت قدماه ، فقيل له في ذلك فقال ” أفلا أكون عبدا شكورا” رواه البخارى ومسلم، وقال الحسن ما نعلم عملا أشد من مكابدة الليل، ونفقة المال، فقيل له ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوها ؟ قال لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم نورا من نوره، فإذا أراد المسلم أن يكون مما ينال شرف مناجاة الله تعالى، والأنس بذكره في ظلم الليل، فليحذر الذنوب، فإنه لا يُوفق لقيام الليل من تلطخ بأدران المعاصي، فقال رجل لإبراهيم بن أدهم إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء ؟ فقال لا تعصه بالنهار ، وهو يُقيمك بين يديه في الليل، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف، وقال رجل للحسن البصرى يا أبا سعيد إني أبِيت معافى وأحب قيام الليل.
وأعدّ طهورى، فما بالي لا أقوم ؟ فقال الحسن ذنوبك قيدتك، وقال رحمه الله إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل، وصيام النهار، وقال الفضيل بن عياض إذا لم تقدر على قيام الليل، وصيام النهار، فأعلم أنك محروم مكبّل، كبلتك خطيئتك، وقيام الليل عبادة تصل القلب بالله تعالى، وتجعله قادرا على التغلب على مغريات الحياة الفانية وعلى مجاهدة النفس في وقت هدأت فيه الأصوات، ونامت العيون وتقلب النوام على الفرش، ولذا كان قيام الليل من مقاييس العزيمة الصادقة، وسمات النفوس الكبيرة وقد مدحهم الله وميزهم عن غيرهم بقوله تعالى “أمّن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب” والآن بعد أن انتهت زكاة الفطر, فهناك الزكاة المفروضه, وهناك أبواب للصدقه والتطوع والجهاد كثيرة، وقرأة القرآن وتدبره ليست خاصه برمضان، بل هي في كل وقت، وهكذا فالأعمال الصالحه في كل وقت وكل زمان.
فاجتهدوا الأحبة في الله في الطاعات، وإياكم والكسل والفتور، فالله الله في الاستقامة والثبات على الدين في كل حين فلا تدروا متى يلقاكم ملك الموت فإحذروا أن يأتيكم وأنتم على معصية، وأكثروا من الاستغفار، فإنه ختام الأعمال الصالحة كالصلاة والحج والمجالس، وكذلك يُختم الصيام بكثرة الأستغفار، فقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار والصدقة وقال قولوا كما قال أبوكم آدم ” ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ” وكما قال ابراهيم” والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ” وكما قال موسى” ربي إني ظلمت نفسي فأغفر لي “وكما قال ذو النون ” لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ” فأكثروا من شكر الله تعالى أن وفقكم لصيامه , وقيامه، فإن الله عز وجل قال في آخر آية الصيام كما جاء فى سورة البقرة ” ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون” والشكر ليس باللسان وإنما بالقلب والأقوال والأعمال وعدم الإدبار بعد الإقبال.
فإن الفائزين في رمضان , كانوا في نهارهم صائمون, وفي ليلهم ساجدون , بكاء خشوع, وفي الغروب والأسحار تسبيح وتهليل وذكر واستغفار, ما تركوا بابا من أبواب الخير إلا ولجوه, ولكنهم مع ذلك قلوبهم وجله وخائفة، لا يدرون هل قبلت أعمالهم أم لم تقبل ؟ وهل كانت خالصة لوجه الله أم لا ؟ فلقد كان السلف الصالحون يحملون هّم قبول العمل أكثر من العمل نفسه، فقال تعالى كما جاء فى سورة المؤمنون” والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجله أنهم إلى ربهم راجعون” فهذه هي صفة من أوصاف المؤمنين أى يعطون العطاء من زكاة وصدقة، ويتقربون بأنواع القربات من أفعال الخير والبر وهم يخافون أن لا تقبل منهم أعمالهم، وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه” كونوا لقبول العمل أشد أهتماما من العمل ألم تسمعوا قول الله عز وجل ” إنما يتقبل الله من المتقين” فمن منا أشغله هذا الهاجس قبول العمل أو رده في هذه الأيام ؟ ومن منا لهج لسانه بالدعاء أن يتقبل الله منه رمضان ؟
فلقد كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان , ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم، فنسأل الله أن نكون من هؤلاء الفائزين، وإن من علامات قبول العمل هو الحسنه بعد الحسنه، فإتيان المسلمون بعد رمضان بالطاعات, والقربات والمحافظة عليها دليل على رضى الله عن العبد, وإذا رضى الله عن العبد وفقه إلى عمل الطاعة وترك المعصية، وكذلك انشراح الصدر للعبادة والشعور بلذة الطاعة وحلاوة الإيمان, والفرح بتقديم الخير, حيث أن المؤمن هو الذي تسره حسنته وتسوءه سيئته، وأيضا التوبة من الذنوب الماضية من أعظم العلامات الدالة على رضى الله تعالى، والخوف من عدم قبول الأعمال في هذا الشهر الكريم، وكذلك الغيرة للدين والغضب إذا أنتهكت حرمات الله والعمل للإسلام بحرارة , وبذل الجهد والمال في الدعوة إلى الله، وإياكم والعجب والغرور بعد رمضان، ربما حدثتكم أنفسكم أن لديكم رصيد كبير من الحسنات، أو أن ذنوبكم قد غفرت فرجعتم كيوم ولدتكم أمهاتكم.
فما زال الشيطان يغريكم والنفس تلهيكم حتى تكثروا من المعاصي والذنوب، وربما تعجبكم أنفسكم فيما قدمتموه خلال رمضان، فإياكم ثم إياكم والإدلال على الله بالعمل، فإن الله عز وجل يقول ” ولا تمنن تستكثر” فلا تمُنّ على الله بما قدمتم وعملتم، ألم تسمعوا قول الله تعالى كما جاء فى سورة الزمر” وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يختسبون” فاحذروا من مفسدات العمل الخفية من النفاق والرياء والعجب، فإن الثبات بعد رمضان يجدر بالمسلم الحرص على الثبات لما قدمه من أعمال، وعبادات، وقربات في شهر رمضان المبارك اقتداء في ذلك بالنبى صلى الله عليه وسلم إذ كان حريصا على أداء الأعمال الصالحة دائما، فاللهم لك الحمد على أن بلغتنا شهر رمضان، واللهم تقبل منا الصيام والقيام، وأحسن لنا الختام، واللهم اجبر كسرنا على فراق شهرنا، وأعده علينا أعواما عديدة وأزمنة مديدة، واجعله شاهدا لنا لا علينا، اللهم اجعلنا فيه من عتقائك من النار، واجعلنا فيه من المقبولين الفائزين، فاللهم تقبل أعمالنا واغفر لنا واكتبنا من عبادك الصالحين فى يوم الدين.