العمق نيوز
جريدة أخبارية شاملة

نسائم الإيمان ومع المغيره بن شعبه

0

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، أبو عبد الله، من كبار الصحابة أولي الشجاعة والمكيدة والدهاء، وكان ضخم القامة، عَبل الذراعين، بعيد ما بين المنكبين، أصهب الشعر جعده، وكان لا يفرقه ، وقد ولد في ثقيف بالطائف، وبها نشأ، وكان كثير الأسفار، وقد أسلم عام الخندق بعدما قتل ثلاثة عشر رجلا من بني مالك وفدوا معه على المقوقس في مصر، وأخذ أموالهم، فغرم دياتهم عمه عروة بن مسعود.

وأقام المغيرة عند النبي صلى الله عليه وسلم وخرج معه في الحديبية، فبعثت قريش عروة بن مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفاوضه في الصلح وجعل يمس لحيته، والمغيرة قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم مقنع في الحديد، فقال لعروة: كُف يدك قبل ألا ترجع إليك فقال: من ذا يا محمد؟ ما أفظه وأغلظه، قال: ابن أخيك المغيرة، فقال : يا غدر والله ما غسلت عني سوءتك إلا بالأمس.

وعن محمد بن يعقوب بن عتبة، عن أبيه، وعن جماعة قالوا: قال المغيرة بن شعبة رضى الله عنه: كنا متمسكين بديننا ونحن سدنة اللات، فأراني لو رأيت قومنا قد أسلموا ما تبعتهم ، فأجمع نفر من بني مالك الوفود على المقوقس وإهداء هدايا له، فأجمعت الخروج معهم، فاستشرت عمي عروة بن مسعود، فنهاني .

وقال: ليس معك من بني أبيك أحد ، فأبيت، وسرت معهم، وما معهم من الأحلاف غيري، حتى دخلنا الإسكندرية، فإذا المقوقس في مجلس مطل على البحر، فركبت زورقا حتى حاذيت مجلسه، فأنكرني، وأمر من يسألني، فأخبرته بأمرنا وقدومنا، فأمر أن ننزل في الكنيسة، وأجرى علينا ضيافة، ثم أدخلنا عليه، فنظر إلى رأس بني مالك فأدناه، وأجلسه معه

ثم سأله: أكلكم من بني مالك؟ قال: نعم، سوى رجل واحد ، فعرَفه بي، فكنت أهون القوم عليه، وسُرَّ بهداياهم، وأعطاهم الجوائز، وأعطاني شيئا لا ذكر له ، وخرجنا، فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم، ولم يعرض عليَّ أحد منهم مواساة، وخرجوا، وحملوا معهم الخمر، فكنا نشرب، فأجمعت على قتلهم، فتمارضت، وعصبت رأسي، فوضعوا شرابهم

فقلت: رأسي يُصدع ولكني أسقيكم. فلم ينكروا، فجعلت أصرف لهم، وأترع لهم الكأس، فيشربون ولا يدرون، حتى ناموا سكرًا، فوثبت وقتلتهم جميعًا، وأخذت ما معهم ، فقدمت على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فأجده جالسا في المسجد مع أصحابه، وعليَّ ثياب سفري، فسلمت، فعرفني أبو بكر الصديق رضى الله عنه .

فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: “الحمد لله الذي هداك للإسلام” وقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه : أمن مصر أقبلتم؟ قلت: نعم. قال: ما فعل المالكيون؟ قلت: قتلتهم، وأخذت أسلابهم، وجئت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخمسها ، فقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم : “أما إسلامك فنقبله، ولا آخذ من أموالهم شيئا ، لأن هذا غدر، ولا خير في الغدر”.

فأخذني ما قَرُب وما بعُد، وقلت: إنما قتلتهم وأنا على دين قومي، ثم أسلمت الساعة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” فإن الإسلام يجُبُّ ما كان قبله ” وكان يقال له: مغيرة الرأي ، فقد كان من دهاة العرب، وشهد اليمامة وفتوح الشام والعراق، وقد ولاّه عمربن الخطاب ، البصرة، ففتح مَيْسان، وهمذان، وعدة بلاد.

وشهد المغيرة بيعة الرضوان والمشاهد بعدها، ولما قدم وفد ثقيف أنزلهم النبي صلى الله عليه وسلم عنده، فأحسن ضيافتهم، وبعثه عليه الصلاة والسلام مع أبي سفيان بن حرب بعد إسلام أهل الطائف فهدما اللات ، ولما دفن النبي صلى الله عليه وخرج علي من القبر الشريف ألقى المغيرة خاتمه وقال: يا أبا الحسن خاتمي، قال: انزل فخذه قال المغيرة: فمسحت يدي على الكفن فكنت آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد استعمل عمر بن الخطاب رضى الله عنه المغيرة بن شعبة على البحرين، فكرهوه، فعزله عمر ، فخافوا أن يرده ، فقال دهقانهم: إن فعلتم ما آمركم لم يرده علينا ، قالوا: مرنا ، قال: تجمعون مائة ألف حتى أذهب بها إلى عمر، فأقول: إن المغيرة اخْتان هذا، فدفعه إليَّ

فقال: فجمعوا له مائة ألف، وأتى عمر بن الخطاب، فقال ذلك ، فدعا المغيرة بن شعبه، فسأله، قال: كذب، أصلحك الله، إنما كانت مائتي ألف ، قال: فما حملك على هذا؟ قال: العيال والحاجة ، فقال عمر للعِلج: ما تقول؟ قال: لا والله لأصدقنك، ما دفع إليَّ قليلا ولا كثيرا. فقال عمر للمغيرة : ما أردت إلى هذا؟ قال: الخبيث كذب عليَّ، فأحببت أن أخزيه.

وقد قال المغيرة بن شعبة لعلي بن أبى طالب حين قتل عثمان بن عفان : اقعد في بيتك ولا تدعُ إلى نفسك ، فإنك لو كنت في جحر بمكة لم يبايعوا غيرك ، وقال لعلي: إن لم تطعني في هذه الرابعة لأعتزلنك، ابعث إلى معاوية عهده، ثم اخلعه بعد ، فلم يفعل، فاعتزله المغيرة باليمن ، فلما شُغل عليٌّ ومعاوية رضي الله عنهما ، فلم يبعثوا إلى الموسم أحدا، وجاء المغيرة ، فصلى بالناس، ودعا لمعاوية .

وقيل أنه أرسل رستم إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص ، أنِ ابعث إلينا برجل نكلمه، فكان فيمن بعثه المغيرة بن شعبة ، فأقبل إليهم وعليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب وبُسُطهم على غلوة لا يُوصل إلى صاحبهم حتى يُمشى عليها، فأقبل المغيرة ، حتى جلس مع رستم على سريره، فوثبوا عليه وأنزلوه ومعكوه .

وقال: قد كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوما أسفه منكم، إنا معشر العرب لا نستعبد بعضنا بعضا، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، فكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، فإن هذا الأمر لا يستقيم فيكم ولا يصنعه أحد، وإني لم آتكم، ولكن دعوتموني اليوم، علمت أنكم مغلبون، وأن ملكا لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول.

فقالت السفلة: صدق والله العربي ، وقالت الدهاقين: والله لقد رمى بكلام لا تزال عبيدنا ينزعون إليه، ثم تكلم رستم فحمد قومه وعظّم أمرهم، وحقّر من شأن العرب، وعرض عليه الأموال لينصرف العرب عن بلاد فارس ، فتكلم المغيرة بن شعبه ، فحمد الله وأثنى عليه

وقال: “إن الله خالق كل شيء ورازقه، فمن صنع شيئا فإنما هو يصنعه، وأما الذي ذكرت به نفسك وأهل بلادك من الظهور على الأعداء والتمكن في البلاد فنحن نعرفه، فالله صنعه بكم ووضعه فيكم وهو له دونكم، وأما الذي ذكرت فينا من سوء الحال والضيق والاختلاف فنحن نعرفه ولسنا ننكره، والله ابتلانا به والدنيا دولٌ، ولم يزل أهل الشدائد يتوقعون الرخاء حتى يصيروا إليه .

ولم يزل أهل الرخاء يتوقعون الشدائد حتى تنزل بهم، ولو شكرتم ما آتاكم الله لكان شكركم يقصر عما أوتيتم، وأسلمكم ضعف الشكر إلى تغير الحال، ولو كنا فيما ابتلينا به أهل كفر لكان عظيم ما ابتلينا به، مستجلبا من الله رحمة يرفه بها عنا ، وإن الله تبارك وتعالى بعث فينا رسولا “.

ثم ذكر له الخيارات الثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال، وقال له: “وإن عيالنا قد ذاقوا طعام بلادكم، فقالوا: لا صبر لنا عنه” فقال رستم: إذن تموتون دونها ، فقال المغيرة بن شعبه: “يدخل من قُتل منا الجنة، ومن قتل منكم النار، ويظفر من بقي منا بمن بقي منكم”.

وما غلبه أحد في الدنيا كما كان يقول إلا شاب من قبيلة بلحارث بن كعب، حين خطب المغيرة امرأة فقال له الشاب: أيها الأمير لا تنكحها فإني رأيت رجلاً يقبلها ، فانصرف عنها، فتزوجها الشاب، فقال له المغيرة: ألم تقل إنك رأيت رجلاً يقبلها؟ قال: بلى رأيت أباها يقبلها وهي صغيرة.

وكان المغيره بن شعبه مزواجا مطلاقا أحصن أكثر من ثمانين امرأة، وطعن في بطنه يوم القادسية فجيء بامرأة من طيء تخيط بطنه فلما نظر إليها قال: ألك زوج؟ قالت: وما يشغلك ما أنت فيه من سؤالك إياي؟ وكان يقول: صاحب الواحدة إن زارت زار، وإن حاضت حاض، وإن نفست نفس، وإن اعتلت اعتل .

وصاحب الثنتين في حرب هما ناران تشتعلان، وصاحب الثلاث في نعيم، فإذا كن أربع كان في نعيم لا يعدله شيء ، ولما آل الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان قدم عليه، فاستشاره معاوية في أن يولي عمرو بن العاص على الكوفة، وابنه عبد الله على مصر، فقال المغيرة: يا أمير المؤمنين تؤمر عمروا على الكوفة وابنه على مصر وتكون كالقاعد بين فكي الأسد .

فقال: ما ترى ؟ قال : أنا أكفيك الكوفة ، فولي الكوفة لمعاوية إلى وفاته ، وكان رضي الله عنه رجلا طوالا مهيبا ، ضخم الهامة، أصيبت عينه في اليرموك وقيل: في القادسية، وقيل: بل نظر إلى الشمس وهي مكسوفة فذهب ضوء عينه ،وتوفى المغيرة بن شعبة رضى الله عنه بالكوفة سنة خمسين للهجرة، وهو ابن سبعين سنة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد