نسائم الإيمان ومع نبى الله موسى عليه السلام ( الجزء الثانى )
إعداد وتقديم / محمـــــد الدكــــرورى
إن نبى الله موسى عليه السلام، قيل فى تسميته بهذا الأسم أنه لا يوجد نص من الوحي ولا من كلام من يوثق به من أهل العلم على من سمى موسى عليه السلام بهذا الاسم، وإنما يحكى أن آل فرعون سموه بهذا الاسم، واستدل على ذلك بأن كلمة موسى معناها بالقبطية الوليد والابن وبعضهم يرى أن أصل الاسم موشيه، وهي كلمة عبرانية معناها المنتشل من الماء.
وإذا كان هكذا فهل سمته به امرأة فرعون أو أمه، وأنه ليس يوجد ما يجزم به في هذا الأمر، إلا أنه يبعد أن يكون آل فرعون سموه باسم عبراني لأن الغالب في الأقوى ألا يتكلم بلغة المستضعف، والأغلب على الظن أن أم موسى إن كانت سمته سابقا لن ترغب في البوح باسمه الأول لئلا تتهم بمعرفته السابقة له وبأنها أمه.
وإن موسى عليه السلام، قد ولد في وقت قد اشتد فيه فرعون على بني إسرائيل، فكان يذبح كل مولود ذكر يولد من بني إسرائيل، ويستحيي النساء للخدمة والامتهان، فلما ولدته أمه خافت عليه خوفا شديدا، فإن فرعون جعل على بني إسرائيل من يرقب نساءهم ومواليدهم، وكان بيتها على ضفة نهر النيل.
فألهمها الله أن وضعت له تابوتا إذا خافت أحدا ألقته في اليم، وربطته بحبل لئلا تجري به جرية الماء، ومن لطف الله بها أنه أوحى لها، وقال لها (ولا تخافى ولا نحزنى، إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) فلما ألقته ذات يوم انفلت رباط التابوت، فذهب الماء بالتابوت الذي في وسطه موسى، ومن قدر الله أن وقع في يد آل فرعون.
وجيء به إلى امرأة فرعون آسية، فلما رأته أحبته حبا شديدا، وكان الله قد ألقى عليه المحبة في القلوب، وشاع الخبر ووصل إلى فرعون، فطلبه ليقتله، فقالت امرأته: لا تقتلوه، قرة عين لي ولك، عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا، فنجا بهذا السبب من قتلهم، وكان هذا الأثر الطيب والمقدمة الصالحة من السعي المشكور عند الله.
فكان هذا من أسباب هدايتها وإيمانها بموسى عليه السلام بعد ذلك، وأما عن حقيقة قصة الجمرة والتمرة التي نعرفها جميعا في قصة سيدنا موسى عليه السلام، فقد ذكر ابن كثير في التفسير والرازي في تفسيره، أن موسى عليه السلام امتحنه فرعون بهذا لما نتف شيئا من لحيته فهم بقتله، فقالت له آسية، إنه صبي لا يعقل وعلامته أن تقرب منه التمرة والجمرة فقربتا إليه فأخذ الجمرة، ولم يذكرا رحمهما الله، سندا للقصة.
وعزاها النيسابوري في تفسيره لابن عباس رضي الله عنهما، وكونها من الإسرائيليات لا يمنع من ذكرها، لأن حكاية مثل هذا عنهم يجوز من غير جزم بصدقه، لما في حديث البخاري: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، وفي حديث البخاري: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم، وقيل أنه في يومٍ من الأيام كان موسى عليه السلام، ماشيا في الطريق وشاهد رجلان يقتتلان .
فاستنجده الذي من شيعته فنصره بأن دَفع الآخر عنه إلا أنه مات، ولم يقصد موسى ذلك، وفي اليوم التالي وجد نفس الشخص الذي من شيعته يتقاتل مع رجلٍ آخر فعلم أن الذي من شيعته هو من عليه الإثم فنهره، فظن الرجل بأنه سيقتله كما فعل مع الآخر في الأمس، فذكره بما حصل معه بالأمس، فخرج موسى بعيدا عن بطش فرعون، وخرج موسى تائها لا يعلم أين يذهب وإنما إرادة الله هي التي كانت تُسيّره إلى أن وصل إلى مدين.
فاستراح عند عين عظيمة وشاهد فتاتان بعيدتان عن العين تنتظران أن ينتهي الرعاة من الماء لتحصلا على الماء فساعدهما، وعندما عادا إلى والدهما الشيخ الكبير قصا عليه ما حدث فطلب أن يحضرا موسى له، وقال لموسى إنه يَنوي تزويجه إحدى ابنتيه على أن يعمل لديه في رعي الغنم ثماني سنوات، وإن أتمم عشر سنوات فمن كرمه، وبعد إتمام العهد أخذ موسى أهله عائدا إلى مصر .
وفي الطريق جاءه نداء الله تعالى بأمْر حمل رسالة الدعوة إلى فرعون، ومن هنا بدأت رحلة موسى النبي عليه السلام في دعوة قومه، وقد أيّد الله سبحانه وتعالى، نبيه موسى عليه السلام بآيات شاهدات بوحدانية الله، ومن هذه الآيات الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وقد كان فرعون وقومه عند نزول كل بلاء بهم يطلبون من نبي الله موسى أن يدعو ربه ليكشف ذلك عنهم.
وبعد كل ما قدّم موسى من دلائل وبراهين على وحدانية الله لم يبق أمام فرعون إلا التخلص من نبي الله موسى عليه السلام، وأقرب طريق لتحقيق هذا هو قتل موسى، فسمع بذلك رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه، فدافع عن موسى ودعوته مُبينا لفرعون وملأه سوء أمرهم وتدبيرهم وحذرهم من بأس الله أن يحل بهم، وذكرهم بمصير من قبلهم، فنجّى الله نبيه موسى من مكرهم.
ولما بلغ التجبر والطغيان عند فرعون وقومه مبلغه أمر الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام أن يخرج بقومه ليلا، فلما علم فرعون بخروجهم لحقهم بجيشه الكثير، وتوجه بنو إسرائيل اتجاه البحر فجعله الله لهم طريقا يبسا، ومشى فيه فرعون وجنوده فأُغرِقوا بكفرهم، فما كان من فرعون إلا أن يؤمن في تلك اللحظة، ولكن الله لم يقبل منه ذلك لفوات الأوان.