نسائم الإيمان ومع نبى الله موسى عليه السلام ( الجزء الأول )
إعداد وتقديم / محمـــــد الدكــــرورى
نبى الله موسى بن عمران بن قاهت بن عازر ابن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وقيل أنه ليس في قصص القرآن أعظم من قصة موسى عليه السلام، لأنه عالج فرعون وجنوده، وعالج بني إسرائيل أشد المعالجة، وهو أعظم أنبياء بني إسرائيل، وشريعته وكتابه التوراة هو مرجع أنبياء بني إسرائيل وعلمائهم، وأتباعه أكثر أتباع الأنبياء غير أمة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وله من القوة العظيمة في إقامة دين الله والدعوة إليه، والغيرة العظيمة ما ليس لغيره.
وإن الله عز وجل قد اصطفى عددا من خلقه وفضلهم على العالمين بأن جعلهم أنبياء يحملون رسائل التوحيد لأقوامهم، ويهدونهم سبل الرشاد ويعلمونهم أمور دينهم ويصوبون طريقهم، وكان من رحمة الله بعباده أنه أرسل الأنبياء والمرسلين للناس من بينهم يفقهون لغتهم ويتطبعون بطباعهم، وقد أيد الله تعالى أنبياءه بالمعجزات حتى يلاقوا التصديق من أقوامهم، ثمّ ليتمكنوا من تبليغ الرسالة وأداء الأمانة، ومن بين أنبياء الله موسى عليه السلام، الذي أرسله الله إلى فرعون بعد أن طغى وتكبر في الأرض بغير الحق .
وقد أرسل الله تعالى نبيه موسى عليه السلام، إلى بني اسرائيل في مصر الذين كانوا تحت حكم فرعون وكان قد طغى فيها واستعبد أهلها وذبح أبنائهم، ولكن اللافت في حياة نبى الله موسى عليه السلام، قبل أن يبعثه الله نبيا أنه نشأ وتربى في بيت فرعون، فبعد أن ولدته أمه خافت أن يقتله فرعون، إذ كان يقتل كل الأطفال الذكور وذلك لعلمه بأن نبيا سيظهر في قومه يحاربه ويهدي الناس للحق، وقد ولد نبى الله موسى عليه السلام في مصر، ويرجع نسبه إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، فهو موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.
وقد كانت مصر في ذلك الوقت تحت حكم فرعون، الذي كان حاكما ظالما، فقد تجبر وطغى وبغى، وجعل أهل مصر شِيعا، أي: أحزابا متفرقين، وكان يخشى على ملكه من بني إسرائيل، فأصدر مرسوما يقضي بقتل كل مولود ذكر يُولد منهم، ولما قَل عددهم وقد كبر رجالهم، وصاروا غير قادرين على الخدمة، قرر فرعون أن يقلل من قتل أطفالهم الذكور، فصار يعفو عاما، ويقتل عاما، وقد وُلد هارون عليه السلام، في عام العفو.
وأما موسى عليه السلام فقد ولد في عام القتل، لذا خافت عليه أمهُ خوفا شديدا، فألهمها الله عز وجل، أن ترضعه، ثم تضعه في صندوق، وتلقيه في اليم، وأن لا تخاف ولا تحزن، فالله سبحانه وتعالى، قد تكفل بحفظه، وسيرُده إليها سالما، فوضعته في صندوق، وألقته في نيل مصر، وطلبت من أخته أن تتبعه، فحمله النهر إلى قصر فرعون، وهناك رأته امرأة فرعون، وقد ألقى الله سبحانه وتعالى، في قلبها محبته، فقالت لفرعون: لا تقتله، ودعنا نربيه، ليكون قرة عين لي ولك.
وعسى أن ينفعنا، أو نتخذه ولدا، فنحن لم ننجب، ثم بحثوا له بين المرضعات عن مرضعة، فامتنع عن الرضاعة منهن، حتى سمعت أخت موسى عليه السلام بالخبر، فذهبت إلى القصر، وأخبرتهم أنها تعرف مرضعة قد يقبل بها الطفل، وكانت تقصد أم موسى عليه السلام، وهكذا تحقق وعد الله سبحانه وتعالى، لأم موسى عليه السلام، فعاد إليها طفلها، وبقي عندها طوال فترة الرضاعة، وبعد أن أتم فترة الرضاعة عاد موسى عليه السلام، إلى قصر فرعون، وهناك تربى وترعرع، وذات يوم وهو يسير في شوارع المدينة.
قد رأى رجلا من قومه يتقاتل مع رجل من قوم فرعون، فاستنجد الذي من قوم موسى به، فدفع موسى عليه السلام الفرعوني بيده، فسقط على الأرض ميتا، ولم يكن موسى عليه السلام يقصد قتله، بل كان يدافع فقط عن مظلومٍ استنجد به، وقد استغفر ربه فغفر الله سبحانه وتعالى، له وعفا عنه، وقد انتشر خبر مقتل الفرعوني، وبدأ فرعون وجنوده يبحثون عن موسى عليه السلام.
وفي تلك الأثناء جاء رجل من أقصى المدينة يحذر موسى، وينصحه بالخروج من مصر؛ فاستجاب موسى عليه السلام لنُصح الرجل، وغادر مصر متضرعا إلى الله عز وجل، أن ينجيه من القوم الظالمين، وخرج منها متجها إلى مدين في جنوب الأردن، فلما وصل إليها وجد قوما يتجمعون حول بئر يسقون منه دوابهم وأنعامهم، ووجد فتاتين تقفان ومعهما أغنامهما، بعيدا عن الماء، خوفا من مزاحمة الرجال، فسقى لهما ثم تولى إلى الظل، وهو يدعو الله عز وجل، طالبا منه العون والتوفيق.
ولما عادت الفتاتان إلى أبيهما شعيب عليه السلام، وقد كان شيخا كبيرا، وقصتا عليه خبر موسى عليه السلام، دعاه إلى بيته، فقص موسى على شعيب عليهما السلام، ما حدث معه، فطمأنه شعيب، وعرض عليه أن يزوجه إحدى ابنتيه، مقابل أن يعمل عنده في رعي الأغنام، فوافق موسى عليه السلام على ذلك، وأقام في مدين، وبعد سنوات خرج موسى مع أهله من مدين متجها إلى مصر.
ولما وصل إلى طور سيناء ضل الطريق، وقد رأى نارا فطلب من أهله الانتظار، حتى يذهب إلى مكان النار، ويأتي منها بشعلة، فلما وصل إليها ناداه الله عز وجل وكلمه سبحانه وتعالى، وقد أيده الله بالمعجزات، وأمره بالذهاب إلى فرعون، ليدعوه إلى عبادة الله وحده لا شريك له.